الجمعة 12 يوليو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
«هيروشيجه» من الأسلوب اليابانى للأسلوب العالمى فى التصوير

«هيروشيجه» من الأسلوب اليابانى للأسلوب العالمى فى التصوير






تعتبر مسألة الفن فى مجتمعات كثيرة مسألة تزيين وانتقاء لكنها فى بعض مراحلها المعروفة تعتبر ذات نزعة اقتصادية حيث عمد بعض الفنانين إلى الاقتصاد فى الخامة والأسلوب التقنى أحيانا لخفض تكاليف العمل الفنى باعتباره ضمن العملية الاقتصادية أيضا وحتى يضمنوا لأعمالهم الفنية الانتشار بشكل تجارى وجماهيرى وتعتبر الأقاليم الأسيوية هى الأكثر ميلا لهذه العملية الفنية الاقتصادية من هنا نشأت مدارس فنية تقنية كثيرة فى معظم البلاد الأسيوية تتبنى هذه الفكرة وكانت فى طليعتها مدرسة الـ«أوكييو إه» والتى نشأت فى اليابان وتشكل حقبة فنية خصبه أثرت فى العالم أجمع بل كان فنانوها أمثال هيروشيجة وهوكوساى هم الأسس الأكثر قوة فى تطوير الفن التشكيلى فى أوروبا الحديثة وخاصة فى باريس .
والـ«أوكييو إه» حركة فنية تصويرية يابانية ظهرت فى بداية القرن السابع عشر للميلاد (الـ17 م»، تقوم على الرسم «الطباعة برسوم بارزة)، يتم نحت الرسومات على ألواح خشبية أولا ثم تطبع على الورق.
كلمة «أوكي-يو إه» تعنى صورة العالم العائم، فى إشارة إلى الطبيعة المتقلبة، الظاهرية والمؤقتة للأشياء فى العالم الدنيوي. عرف هذا الفن عهدا ذهبيا فى «فترة إيدو» «1603-1868 م»، قام الحرفيون بتكييف تقنيات الرشم المعروفة «اى الرسم بنقوش بارزة»، للإنتاج مجموعات كبيرة من الصور ذات تكلفة قليلة، موجهة أساسا للباعة والتجار.
عرف الحرفيون اليابانيون استعمال فن الرشم «الطباعة برسوم بارزة» منذ القدم، اقتصرت مزاولة هذا النشاط على الأديرة البوذية، وتوجب الانتظار حتى منتصف القران الـ17 م، حتى تظهر أولى الرواشم «الصور التى يتم طباعتها عن طريق الرشم» ذات الطبيعة الدنيوية «غير دينية»، كان للرسام والمصور «هيشيكاوا مورونوبو»، والذى ابتكر أولى الرواشم الملونة، الدور الكبير فى شهرة هذا الفن، قام هيشيكاوا بتكييف طرق الرسم التقليدية مع فن النحت على الخشب، واستطاع أن يطبع العديد من الكتب المصورة و المطويات ورسومات لمناظر طبيعية وغيرها. استمر العمل بهذا الأسلوب حتى الربع الأول من القرن الـ18.
وتمخضت هذه المدرسة التقنية عن واحد من اهم الفنانين التشكيليين فى التاريخ وهو الفنان اليابانى الكبير «ايدو هيروشيجه» والذى يعتبر بحق احد التلاميذ النجباء لعلامة الرسم اليابانى الحديث هوكوساى كما يعتبر هيروشيجه ايضا صاحب نظريات أصيلة فى فنه مثل نظرية التزجيج والتى قصد من خلالها أعطاء أبعادا أكثر للمشهد الطبيعى كما مال هيروشيجه أكثر للتطوير بحيث قلص من الكتابات الكثيرة التى كانت تستخدم فى اللوحات اليابانية بحث أعتبر أنها تخنق موضوع اللوحة
ولد هيروشيجه والذى يعرف باسمه الأصلى «أندو هيروشيجه» فى إيدو «طوكيو»، وكان على غرار والده من رجال الساموراي، عملت أسرته فى خدمة أسرة الـ«توكوجاوا»، شوجنات اليابان «المفرد شوجان ومعتنها الحاكم»، كانت لأعمال «هوكوساى» الأثر الكبير على ميوله الفنية. بدأ منذ عام 1811 م، يتدرب فى ورشة الرسام الكبير أوتاجاوا تويوهيرو. منذ سنة 1812 م، اتخذ لنفسه اسما جديدا «أوتاجاوا هيروشيجه» وبه أخذ يوقع أعماله.
وتعتبر المرحله الأولى فى حياة هيروشيجه الفنية من اهم المراحل حيث كان يعتبر فى طور التشكيل بحيث بدأ فى محاكاة المدارس التى سبقته فاهتم هيروشيجه بتصوير الطيور والعصافير واهتم أيضا بتلقين يديه تقنيات التنويع التشكيلى التى تقوم علية معظم الفنون التصويرية لليابان كما قطع شوطا بعيدا فى اتقان التقنية المستخدمه فى التصوير اليابانى.
فى حدود 1830 م، قام بنشر مجموعة من الرسوم البارزة عن المشاهد المشهورة فى «إيدو»، لاقت هذه الأخيرة نجاحا كبيرا، قام بعدها بإنجاز مجموعة جديدة عن المشاهد المشهورة فى اليابان. على مدى الـ15 سنة القادمة تزايدت شهرته وأصبح معروفا برسومات المناظر الطبيعية . بلغ هيروشيجه قمة مجده وعطائه سنة 1833 م عندما قام بانجاز أهم أعماله على الإطلاق: «محطات طريق توكايدو الثلاثة والخمسين» «Tokaido gojusan-tsugi»، وهى مجموعة من المشاهد التى التقطها عبر تجواله فى الطريق التى تربط «إيدو» بـ« كيوتو».
عرفت مجموعة الرسوم البارزة السابقة شعبية كبيرة إلى درجة أن «هيروشيجه» قرر أن يعيد إنجاز عشرين (20) مجموعة أخرى عن مشاهد مختلفة لنفس الطريق «توكائيدو»، بالإضافة إلى إنجازه العديد من الأعمال حول موضوع «المعالم المشهورة» فى اليابان، على غرار «مشاهدات معالم إيدو المائة»، ومن أشهر رسومات هذه المجموعة «السيل الفجائى فوق جسر أتاكى» (1857).
و على غرار الفنان الكبير هوكوساى هيمنت أعمال «هيروشيجه»، على الفن اليابانى للفترة الممتدة أثناء النصف الأول من القرن التاسع عشر «الـ19 م»، استطاع الأخير أن يعيد تركيب التنوع الذى يميز مظاهر الطبيعة فى اليابان بطريقة بسيطة ولا تخلوا من الشاعرية، كانت له موهبة كبيرة فى استغلال الألوان المختلفة، كان أحسن من يعرف كيف يصف فصول السنة المختلفة، العوامل الجوية «مطر، الثلج، الضباب»، والمناظر الطبيعية فى ضوء القمر
وأصبح الطلب كبيرا على هيروشيجه لدرجة انه لم يستطع تلبية كل احتياجات التجار ومروجى الفنون والديكور فى اليابان ومن هنا لجأ هيروشيجه كما لجأ كثير من الفنانين المشاهير لمساعدة تلاميذه بحيث انتشرت اعمالا كثيرة كانت فى الحقيقة من اعمال تلاميذه الذين انتهجوا نفس أسلوبه حيث تكررت هذه الحكاية مع دالى ومع بيكاسو بحيث يقوم التلميذ بإنجاز العمل الفنى بنفس أسلوب أستاذه ويأتى بعد ذلك الأستاذ ليقوم بوضع بعض الرتوش وامضائه الذى يعطى شرعية للعمل الفنى بحيث ترتفع قسمته بشكل كبير.
ويقول الناقد الفنى الكبير كسامكاتو «ان المشكلة التى تقابلنا فى اعمال هيروشيجه الكثيرة والتى قد تنتشر فى معظم الجزر اليابانية ان العديد من الأعمال هى اعمال لتلاميذه لكنها ترقى لنفس مرتبة التقنية العالية التى تصنف فيها اعمال هيروشيجه نفسه من هنا يقول البعض أن هذه العمال تستحق ان تبقى فى المتاحف بجانب أعمال هيروشيجه نفسه لأنها من نفس النوعية».
وهناك آراء اخرى للنقاد فى اليابان ترفض هذا الرأى حيث تؤكد انه ليس من الممكن أن نساوى اعمال هيروشيجه نفسه بأعمال تلاميذه حيث نكون قد ابتعدنا عن فن هيروشيجه وهذا هو رأى «أوكاوا إيكينو» الناقد الشهير حيث يقول «انك حينما تقتنى عملا لهيروشيجة فأنك تقتنى هيروشيجا نفسه لتضعه فوق حائط منزلك اى تقتنى 200 عام من الفن والتاريخ لكن النسخ المقلده والتى هى من صناعة تلاميذه لا تمثل غير محاكاه للأصل وان تكن متقنه لكنها لا تمثل نفس الأصالة حيث تعتبر لوحة هيروشيجه هى المخطوطة وغيرها هى المطبوعة او المستنسخة».
وربما ما يقوله إيكينو صحيحا حيث نسعى أكثر كمحبين للفن وراء الأصل وخاصة فى اليابان حيث تتفوق تقنية الطباعة الخشبية على التصوير نفسه أحيانا .
وفى السنوات الأخيرة فى حياة هيروشيجه أصابته بعض العلل النفسية وانعزل لمدة عامين لكنه عاد للمارسة حياته الطبيعية وفنه قبل موته ثلاثة اعوام وتميز فيها أسلوبه برؤية جديدة حيث أقترب اكثر من أساليب التصوير العالمية وكاد ان يتخطى أسلوب التصوير اليابانى لولا أن وافته المنية فى عام 1858
ظلت مدرسة الـ«أوكييو إه» مزدهرة حتى نهاية القرن التاسع عشر، ثم أخذت تتلاشى مع بداية إصلاحات «فترة مييجى»، أثرت هذه المدرسة فى فنانين كبار من المدرسة الغربية «فان جوخ، مونيه، مانيه، دييجا ، رينوار وغيرهم»، وكانت سببا فى ظهور حركة فنية جديدة انتشرت فى فرنسا وعرفت بالنزعة اليابانية (Japonisme).