الأحد 21 يوليو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
«روزاليوسف» فى مظاهرات ثورة 1919

«روزاليوسف» فى مظاهرات ثورة 1919






 

كان آخر ما يخطر على بال الفنانة «روزاليوسف» أن تهتم بالسياسة وأحوالها، كانت حتى ذلك الوقت هى الفنانة والنجمة المسرحية الأولى، وكان المسرح هو كل حياتها وما يشغل عقلها وقلبها!
ولكن فجأة وجدت نفسها فى قلب السياسة وكان ذلك قبل إصدار مجلتها «روزاليوسف» فى 26 أكتوبر 1925.
تحكى «روزاليوسف» هذا التحول المثير فتقول: «تتابعت الأحداث حتى شبت ثورة 1919، وكان اعتقال السلطة الإنجليزية لسعد زغلول ونفيه إلى مالطة هو القارعة التى هزت كل إنسان، فأغلقت الحوانيت وأضربت المواصلات من الترام إلى الحمير التى كانت وسيلة شائعة من وسائل الانتقال!
وانطلقت المظاهرات من كل مدرسة وكل وزارة وكل شارع تهتف كلها بالاستقلال التام وبحياة سعد.. وبدت البيوت كأن أهلها هجروها إلى المعمعة، كلها مغلقة صامتة تحمل على أبوابها وجدرانها نقوشًا تمثل العلم المصرى، وشعارات تصرخ بحياة الاستقلال وسقوط الإنجليز، وزحف الجنود الإنجليز بأسلحتهم وخوذاتهم إلى كل حارة من حوارى القاهرة وأصبح الصوت الرتيب فى شوارع القاهرة هو صوت طلقات النيران!
ومضت المسارح تمارس عملها فى هذه العاصفة، يقف الممثلون على المسرح يؤدون أدوارهم وأصوات الرصاص والقنابل فى الخارج تغطى عليهم والصالة ليس بها إلا متفرج أو اثنان!
وقد ينفتح الباب فجأة ويندفع إلى الداخل شبان من الثوار يسرعون إلى الاختفاء من مطاردة الإنجليز فى حجرات الممثلات وخلف ستائر المسرح ويحتفظ الممثلون بهدوء أعصابهم لمقابلة الجنود واقناعهم أن أحدًا لم يدخل!
وقرر الفنانون يومًا أن يقوموا بمظاهرات أسوة بسائر الطوائف فى مصر وكان كل المظاهرات ممنوعة ولا تقابل إلا باطلاق النار وفى الساعة المحددة خرجت كل فرقة من المسرح الذى تعمل فيه وقد حملت علمًا كبيرًا، والتقت الفرق كلها فى ميدان الأوبرا أمام فندق الكونتننتال وكان فى السائرين جورج أبيض وعبدالرحمن رشدى وعزيز عيد ونجيب الريحانى وزكى طليمات ومحمد عبدالقدوس ومحمد تيمور وكل من كان يعمل فى المسارح ممثلا أو عاملًا، وكان بعضهم يلبس ملابس عربية وبعضهم يلبس ملابس فرعونية وغيرها من الثياب القومية!
وتقدمت المظاهرة عربة حنطور تركبها الممثلتان الوحيدتان فى المظاهرة: الممثلة الناشئة- روزاليوسف- تحمل علمًا والممثلة مارى إبراهيم ومعهما فى العربة الاستاذ «عبدالحليم الغمراوى» المحرر بالأهرام وكان مديرًا لمسرح برنتانيا!
وتجمع حول المظاهرة خلق كثير، وسارت تقطع ميدان الأوبرا ومن حولها تسعى جنازات الشهداء وصيحات الجماهير وتحت تمثال «إبراهيم باشا» مباشرة، رأت الممثلة الناشئة - روزاليوسف - جنديين انجليزيين صريعين وقد نزف منهما دم كثير!
واتجهت المظاهرة إلى شارع عدلى، ولم تكد تمضى فيه حتى تصدى لها جنديان انجليزيان آخران ومضت المظاهرة، ورفع أحد الجنديين بندقيته وصوبها إلى الفنانة الناشئة حاملة العلم وتجمدت الفنانة من الرعب وشعرت بسخونة تغمر جسدها! وأحست كأن رصاصة قد انطلقت واخترقت ظهرها فعلا فتشبثت بالعلم كأنها تستند إليه!
ولم يكن قد أصابها فى الواقع شئ من هذا الذى صوره لها الفزع، وقد تبينت فيما بعد أن الجندى الإنجليزى لم يكد يرفع بندقيته حتى عاجلته رصاصة من أحد الثوار المصريين كان مختبئا فى شارع جانبى صغير متفرع من شارع عدلى.
واسرعت المظاهرة عائدة إلى مسرح برنتانيا، وانتهت الثورة بأول انتصار سجله الشعب المصرى فى عصره الحديث بإطلاق سراح «سعد زغلول» وصحبه!
هكذا كانت بداية اهتمام السيدة «روزاليوسف» بالسياسة بل وإعجابها الشديد بالزعيم «سعد زغلول»!
وللحكاية بقية