
د. ايناس الشيخ
الإنسان ناقص يا سادة
تعجب كثيراً وتنتابني حالة من الدهشة من بشر لا ينظر للآخر سوى بعينِ أرادت منه الكمال والمثالية!.
الكمال والمثالية في شخصه. صفاته. تصرفاته. طريقة تفكيره. طريقة حكمه على الأمور، وحتى الخلقة التي هي من صنع الخالق نعيب الآخر عليها لوماً كأنه هو من صنعها...أليس هذا نوع من أنواع التنمر بالغير!
لقد بحثنا عن كمال في بشرِ ليس بكامل، بحثنا عنه حولنا ظلماً لهم، ولم نبحث عنه لحظة داخلنا عدلاً وإنصافاً، ننظر و ننتظر من الغير ولا ننظر لأنفسنا قبلهم، نعطي لأنفسنا حق انتقاد ومحاسبة الغير، ونعلم يقيناً أنه ليس من حق البشر, فهو حق الخالق، نقف نترصد عيوب الآخرين بعين قناصة تود أن تقتنص عيوبهم فقط، لننصب من أنفسنا حكامًا على غيرنا وحكماء عن غيرنا!.
لم نقف لننظرَ لأنفسنا لحظة ونحن نترصد عيوب الغير، لنجد أن ما نفعله هذا في حد ذاته « العيب المشين»، من منا يملك الشجاعة الكافية ليرى نفسه بنفس ذات العين التي ترى غيره! من منا يملك الشجاعة ليعترف بعيوبه حتى على الأقل أمام نفسه! من منا لديه من السواء النفسي ما يجعله يحاور نفسه بكل صدق قبل أن يغمض عينيه كل ليلة، ليحاكم نفسه أولاً قبل أن يحاكم غيره ! .... أنه السلام الداخلي للنفس، إنها القدرة على العبور بكل عيوب النفس البشرية من دار الظلمة والجهل لدار السلام والتصالح.
لقد جهلنا حقيقة أننا بشر غير كاملين، مهما سعينا أو بلغنا من الكمال فلم ولن نحصدَ منه إلا ما وهبته حكمة الله من قدرِ للبشر، «فالكمال لله والنقص لخلقه»، فمهما بلغ الإنسان من كرم الأخلاق ورجاحة العقل وكمال النضج وطيب النفس فلا يأمن مكر «النفس البشرية»، التي إذا أصابته في لحظة أطاحت بتلك البنايات التي ظن واهماً أنها راسخة ولم تُهدَم أبداً، فإن رزقك الله الصلاح فادعوه بالثبات، وارحم غيرك بالدعاء لهم لا بالدعاء عليهم.
ولنبدأ بتقبل أنفسنا أولاً كما هي بكل عيوبها، نحاورها حواراً ليناً كطفل صغير. حواراً نروض به كل عيوبنا، لننبت أجمل ما فيها، فنحن لا نملك من أنفسنا شيئًا، فالخلقة لله وحسن المظهر لك، هوى نفسك بيد الله وأدبك وأخلاقك بيدك، فقد وهبك الله النفس بفطرتها و ترك مهمة تهذيبها عليك.
فلو بدأت بنفسك أولاً وتصالحت معها، تأكد بأنك ستتصالح مع غيرك، ستتقبل كل من حولك بصدر رحب لا يرى الآخرين إلا بعين الجمال والمحبة.
فإن استطاع الإنسان أن يصلح عيوبه فهو بطل ، وإن لم يستطع فليعلم أنه بشر، ومهما بلغ من الكمال والمثالية فلم يبلغ إلا قدر نفسه «قدر البشر».