
رشدي أباظة
«مكى».. أغلى من الياقوت
عاوزك لربك شاكر.. وجهد الناس تقدر.. إوعى تظلم مهما كنت قادر.. ربك أقدر!
إوعى تفضح عيب إنسان لو ربك ستر.. كما تدين تدان.. ما تضمنش القدر؟
بهذه الكلمات يمضى أحمد مكى فى أغنيته البديعة. يقفز فوق جدار النفس وفى القلب يستقر. استقرار يخلق الأمل فى فن هادف وحلو المذاق فى آن.
مكى موهبة مصرية عربية استثنائية.
خلقتها البيئة المصرية الباعثة على بعث المواهب والولادة المجددة لكل الفنون والآداب التى مرت من هنا!
لم تكن أغنية مكى مجرد كلمات اكتتبها وأطربنا بها حق الطرب. لقد كانت موضوعا كاملا يحكى قصة إنسانية غاية فى التعقيد. بين أب ونجل وحياة. بين ولادة وموت وفناء. بين إنسان مقبل وآخر مدبر.
لم يتفوق مكى على نفسه. تفوق علينا جميعا. خلق إحساسا قادرا على استدرار المعنى الخفى لحياة تاهت منا فى دروب الأيام.
الفن المصرى يغوص فى أعماق أعماق القوة الناعمة للدولة المصرية. يخلق جيلا من بعد جيل. لا ينضب الإبداع داخل جذورها. ينبت كل يوم ويورق كما الزهور اليانعة الفواحة. يكافح بمفرده كل قبح تقترفه أيادينا.
ويكأن مكى يمتلك آلة زمن يعود بها بنا إلى زمن العطاء الأدبى والفنى المعين على قسوة الحياة التى اعتدناها مؤخرا.
مكى خارق الزمن يسرق لحظة من عمر مصر الجميلة. يذيقنا بأسا على بأس. ووهنا على وهن. مكى فى أغنيته أقل من رسول وأكبر من راهب يكشف لنا محبة فى محراب الأدب والفن السماوى.
من الكلمات إلى اللحن إلى الموضوع إلى الإحساس. إلى كل كلمة كتبتها أنامله وغناها صوته العليل.. من كل كل ذلك خلق مكى خلقا من بعد خلق.
كأنه ألقى بنا نظرة خاطفة إلى الجنة. جنة الموسيقى والكلمة.
جنة الحب الخالد بين إنسان وبضعة منه.
ينهى مكى كلمات أغنيته بالياقوت. وكأنه يضع أغنيته بين ياقوت الكلام وفضله على حب الحياة قبل الموت. بين الموت والبرزخ. بين البرزخ ودخول الجنان.
شكرًا مكى