الجمعة 18 يوليو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
أم الدنيا

أم الدنيا






حين وصف «هيرودوت» مصر بأنها «هبة النيل» فقد كان يتحدث عن أساس وجودها واستقرارها فى هذه المنطقة من كتلة العالم المتغير، وحين وصف المؤرخون مصر بأنها «أم الدنيا» فلأنها استقبلت وتعايشت وتعاملت واستوعبت حضارات بشرية عدة عبر التاريخ عكست نفسها فى تكوينة ثقافية وعقلية فريدة من نوعها.
لذلك ليس بمستغرب أن تستقبل مصر داخل حدودها  5 ملايين لاجئ يعيشون على أرضها بلا قيود ويعملون كأبناء البلد وبعضهم يمارس نشاطا تجاريا، لا تأويهم معسكرات ولا ملاجئ كالحادث فى أوروبا ومختلف بقاع الأرض، وإنما يعيشون كالبشر الأحرار.
مصر كانت عبر حقب وعهود طويلة الملاذ الآمن للذين يعانون ظلما واضطهادا سياسيا فى بلادهم، وعقب ثورة يوليووموقفها الداعم سياسيا لحركات التحرر الوطنى تحولت القاهرة إلى بؤرة لاستقبال اللاجئين سواء السياسيين أو المهاجرين وخلافه.
الدعم المصرى لحركات التحرر الوطنى لعب دورا بارزا فى إشاعة انطباعات إيجابية عن مصر وعن كونها دولة حاضنة للمضطهدين أو اللاجئين الهاربين من أوضاع بلادهم، وفى السنوات الأخيرة ازدادت مساحات الهجرة لأسباب متعددة وإن كان من أهمها ما جرى لبلاد الربيع العربى فى ليبيا وسوريا واليمن وقبلها العراق .
أن يعيش بين شعبك 5 ملايين لاجئ فهذا يمثل عبئا شديدا على قدراتك واستنزافا فى جانب لمواردك ويتطلب إنفاقا أعلى من الطبيعي، لكن ذلك لم يفرض على مصر مناخا للمزايدة أوالادعاء حتى تبتز المنظمات الدولية أوالدول الكبرى لجلب موارد مالية يتم الإنفاق منها على اللاجئين .
رفض مصر تنظيم مخيمات لاجئين أو معسكرات خاصة بهم موقف يمثل التزاما أخلاقيا وإنسانيا، فالانعزال الناجم عن هذه المعسكرات والمخيمات يتسبب فى معاناة إنسانية بشعة ويُنتج أشكالا مشوهة من البشر، ويُعمق ويُكرس مفاهيم الانقسام والعداء بين الناس.
مصر لم تختر لنفسها هذه المكانة ولا هذه المواقف وإنما الإدارات المصرية على مختلف العصور تعاملت مع ملف اللاجئين من أرضية دور فرضته المكانة الجغرافية والنفوذ الإقليمى والالتزام القيمى والأخلاقى تجاه شعوب العالم .
ليس صحيحا أننا تعاملنا مع الحضارات المختلفة عبر التاريخ باعتبارها موجات من الغزو والاحتلال، فقدرة المصريين عبر التاريخ تمثلت فى نجاحهم باستيعاب هذه الحضارات ودمجها فى الحضارة المصرية وإنتاج ثقافة مشتركة تمثل تطورا فى مصر وتضيف للوافد جديدا لحضاراته.
من هنا تأتى قدرة مصر على استيعاب اللاجئين من دون قيود ولا أسوار معسكرات ومخيمات، فقدرة الشعب المصرى على استقبال كل هؤلاء الوافدين والتعامل معهم من منطلقات إنسانية وأخلاقية هونتاج طبيعى لتطور حضارى بالغ الأهمية والقيمة اكتسبه المصريون عبر التاريخ.
مصر لم تُزايد على أحد باللاجئين الموجودين على أراضيها كما يفعل البعض، ومصر لم تقايض قضية اللاجئين مع أوروبا صاحبة المعاناة الأكبر من قضية الهجرة غير الشرعية كما فعل البعض ومازال يفعل حتى الآن فى محاولة الحصول على أى مكتسبات سياسية لإخراجه من أزماته الداخلية .
مصر تستقبل اللاجئين كما استقبلت الحضارات المختلفة عبر التاريخ  وتتعايش مع الجميع باعتبارها «أم الدنيا».