الأحد 21 يوليو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
السادات والتليفزيونيات الأمريكية!

السادات والتليفزيونيات الأمريكية!






فى نوفمبر سنة 1977 وصلت المذيعة «دورين كايز» إلى القاهرة كى ترأس مكتب القاهرة لمحطة «إيه. بى. سى» الأمريكية الشهيرة، وتمكث بها أربع سنوات رصدت فيها بالكاميرا زلزال الرئيس أنور السادات ومبادرته بالسفر إلى القدس بحثًا عن السلام العادل والشامل.
كانت كبرى المحطات التليفزيونية العالمية خاصة الأمريكية جعلت القاهرة هى بؤرة اهتمامها الأولى فى تلك الأيام، وكان السادات بطبيعة الحال محط أنظار هذه المحطات.
لقد روت «دورين كايز» تفاصيل ذلك كله وصراع المحطات التليفزيونية على ملاحقة ومتابعة كل ما ينطق به السادات فى كتابها «ضفادع وعقارب» «ترجمة وإعداد الأستاذ مصطفى كامل» وتقول:  كانت شبكة «إيه. بى. سى» التى التحقت بها تواجه أول تحد خطير لها كمنافس لكل من شبكتى «سى. بى. سى» و «إن. بى. سى»، كان كل ما يهمنا أن نكون فى مستوى تليفزيون «سى. بى. سى» المنافس بعد الضربة التى حققها «والتر كرونكيت» الذى سبقنا إلى القاهرة ليضمن لنفسه مقعدًا فى طائرة السادات. ورحب السادات بوجود «بربارا والترز» ضمن حاشيته على متن طائرته مدركًا بخبرته الدعائية إنها وهى التى يسمونها فى أمريكا «مذيعة المليون دولار» ستفيده كثيرًا لدى جمهورها الغفير فى أمريكا.
وحتى بدون وجود «كرونكيت» فإن السادات كان لديه مكان لشبكة «إيه. بى. سى.» التى كانت حينذاك تحتل المرتبة الثالثة بين شبكات التليفزيون الأمريكية الكبرى خصوصًا نجمها الكبير «بيتر جينيجز» الذى تطوع وطاقم كامل من مساعديه على مدى شهر كامل لانتاج وتصوير فيلم وثائقى عن السادات بعنوان «السادات.. ترجمة حياة» وقد قدم هذا الفيلم الرئيس المصرى للجمهور الأمريكى فى صورة شديدة البريق وساعدت هذه الصورة كثيرًا فى تلميع شخصية السادات وتمهيد الجمهور الأمريكى لتقبله كسوبر ستار.
وتضيف قائلة: «إن قصة السلام التى هزت بدايتها العالم بأسره - كما هزته نهايتها - فى عصر الأقمار الصناعية الذى نعيشه كانت دراما تليفزيونية حقيقية كتبها وأعدها وأخرجها وانتجها وجهز لها نجمها الأول شبكات التليفزيون الأمريكية الثلاث!
كانت بالفعل دراما فيها كل عناصر الدراما الناجحة: حرب وصلح، وأكثر من بطل وأكثر من شرير، وعرب ويهود، وسلطة وسياسة، وصراع وتضحية، وشجاعة وجبن، وأمل ويأس.
ولكن جمهور المتفرجين للأسف لم يتح لهم أن يشاهدوا العرض بأكمله، والواقع أن هذا أمر طبيعى فى دنيا التليفزيون. ففى سياق هذه القصة التى استمرت أربع سنوات قطع الإرسال التليفزيونى المعتاد أربع مرات! الأولى مع رحلة «السادات» إلى إسرائيل فى نوفمبر 1977، والثانية مع اتفاقيتى كامب ديفيد فى سبتمبر 1978، والثالثة مع توقيع اتفاقية الصلح فى مارس 1979، والرابعة والأخيرة مع مصرع ودفن السادات فى أكتوبر 1981.
وفيما بين هذه الأحداث التاريخية الأربعة كان الجمهور يشهد بانتظام مئات المشاهد والمناظر واللقطات معظمها إن لم يكن كلها تحت أقصى قدر من تركيز الصورة والأضواء!
ولعل من أهم ما تعترف به «دورين كايز» عن كواليس وأسرار العمل الإخبارى التليفزيونى الأمريكى هو قولها: «لقد تجمع لدى بحكم عملى الشىء الكثير سواء مما جرى على الشاشة أو ما كان يجرى خلف الكاميرا، وليس هناك من شك فى أن ما قدمته شبكة «إيه. بى. سى» كان عملًا فنيًا ممتازًا بالمقاييس التليفزيونية، ولكن ما كان يزعجنى وقتها - وما زال يزعجنى حتى الآن- وما يجب أن ينزعج له معظم الأمريكيين هو الشىء الذى لم نقدمه وليس الذى قدمناه للجمهور الأمريكى الذى يتلقى الجزء الأكبر من معلوماته من التليفزيون والواقع أن النتائج التى تكشف عنها استطلاعات الرأى جد مخيفة لأنها تبين فى نفس الوقت مدى قدرة التليفزيون على تشكيل رأى الجماهير غير العارفة أو المهتمة كثيرًا بالنبأ الذى تسمعه!
ولأن القائمين على شبكات التليفزيون يدركون مدى صعوبة «بيع» الأخبار الأجنبية لجمهرة المشاهدين، فإنهم يعمدون إلى إسباغ أكبر قدر من الروح الدرامية عليها حتى تكون أكثر جاذبية وما أكثر ما يتجاوزون فى هذا كل الحدود».
هذه هى القصة التى قضيت فى تغطيتها أربع سنوات؛ إنها ليست من النوع الذى تشاهده فى «أخبار العالم الليلة» أو «صباح الخير يا أمريكا» أو أى نشرة أخبار فى بريطانيا أو أمريكا، إنها من ذلك النوع الذى يتحدث عنه الصحفيون بقولهم «إن أحسن القصص هى تلك التى لا تروى أبدًا»!