
حازم منير
الأمان الغذائى
منذ أطلق الرئيس الراحل أنور السادات فى منتصف السبعينيات الماضية شعار «الأمن الغذائى» وسياسات عديدة يجرى تمريرها تحت هذا العنوان تبريرا لاتجاهات محددة لكنها لم تأت لنا فى أغلبها إلا بالمشاكل والأزمات.
اعتبر البعض أن دعوة الرئيس الأسبق لـ«الأمن الغذائى» بمثابة شرارة الانطلاق للاستيراد، واندس بين البعض مجرمون قتلة ارتكبوا جرائم فى حق هذا الشعب باستيراد سلع غذائية ولحوم منتهية الصلاحية أو غير مخصصة للاستهلاك الآدمى، وشهدت مصر عصابات ووسطاء مجرمين فى المنافذ لتسهيل دخول هذه السلع، وكانت هذه الجرائم ترتكب تحت شعار «الأمن الغذائى».
المفارقة أن «الأمن» الغذائى تحول إلى «جريمة غذائية» وتحت مسمى «الأمن» انطلقت الجرائم والعصابات والمجرمين تحت مبررات توفير الأكل للناس فحققوا ثروات طائلة مقابل جثث من أبناء هذا الوطن راحوا ضحية هذه السلع سواء بإصاباتهم بالأمراض أو بالتسمم وخلافه.
لذلك فإن ما شاهدناه السبت الماضى فى افتتاح السيد الرئيس عبدالفتاح السيسى من مشروع الصوب الزراعية يختلف اختلافا جذريا عما عايشناه منذ منتصف السبعينيات، فما جرى قبل 48 ساعة هوتنفيذ لاستراتيجية «الأمان الغذائى» بتلبية وتوفير احتياجات الناس الغذائية فى إطار استراتيجية الدولة بتوفير أبجديات وأساسيات الحياة الآمنة للمصريين.
الفروق واضحة أولها: إننا لا نستورد وإنما ننتج ونصدر ونلبى احتياجات السوق المحلية بمنتجات فائقة الجودة وبتكاليف إنتاج أقل، وهى سياسة تُحقق لنا مداخيل نقدية بالعملة الصعبة وتُوفر لنا ما كنا ننفقه على استيراد هذه المواد الغذائية.
ثانى الفروق: أن تستعيد مصر مكانتها وسمعتها كدولة منتجة للسلع الغذائية وصاحبة الباع الطويل فى المنتجات الزراعية ومنها الخضروات والفواكه، وأنها تعود مرة أخرى إلى الأسواق العالمية، وتبدأ فى إحياء عملية الإنتاج الزراعى باعتبارها واحدة من محددات نجاح خطط التنمية إلى جانب الصناعة والتجارة التى كنا نشكومن غيابها.
ثالث الفروق: إن التوسع فى هذا المشروع المُقدر له 100 ألف صوبة ويُقام على 34 ألف فدان سيسهم بدرجة كبيرة فى تخفيض الأسعار الغذائية والخضروات، وهويُوفر فى استخدام الرياح ويستهلك ربع الكمية المقررة لذات المساحة وذلك لاستخدام الرى بالتنقيط، وكل ذلك فى إطار استراتيجية تستهدف إنشاء مليون صوبة زراعية خلال خمس سنوات.
إذن نحن نتحدث عن مشروع استراتيجى متكامل العناصر من أول ترشيد استخدام المياه وتقليل الاستخدام مع زيادة المُنتج الزراعى ومضاعفته بتخفيض التكلفة المالية، وهى مُنتجات قابلة للتصدير ولتلبية احتياجات السوق المحلية وبجودة فائقة، ويُمكن لها أن تصبح من المدخلات للعديد والعديد من صناعات السلع الغذائية إذا ما عُدنا لاستئناف نشاطنا التصنيعى فى هذا السياق.
اعتقد أن الفارق واضح بين سياسة «الأمن الغذائى» التى فتحت الباب للنهب والسلب واستنزاف مواردنا من العملة الصعبة وأتاحت للعصابات والمجرمين ارتكاب جرائم فى حق الشعب باستيراد سلع منتهية الصلاحية وبين سياسة جديدة لـ«الأمان الغذائى» التى تستهدف استثمار كل الطاقات والخيرات والثروات الطبيعية فى مشروع قومى هدفه الأساسى استعادة الزراعة المصرية وإضافة بنود جديدة لموارد الدولة من عملية إنتاجية كانت غائبة وبدأت بشائر استعادتها فى الظهور.