
أ.د. رضا عوض
الحدث الذى غير وجه العالم
فى يوم 11 من شهر نوفمبر الحالى تم الاحتفال بانتهاء الحرب العالمية الأولى، حيث أقيم حفل كبير فى باريس حضره معظم رؤساء الدول التى شاركت فى هذه الحرب، والتى سميت بالحرب العظمى التى بدأت فى 28 يوليو 1914 بعد حادثة اغتيال الارشيدوق فرانز فرديناند وريث عرش النمسا وزوجته صوفيا فى سيراييفو عاصمة البوسنة والهرسك، والتى استمرت 4 سنوات وثلاثة أشهر وأسبوعًا. شارك فيها قوات الحلفاء وهم بريطانيا وروسيا وفرنسا ضد قوات المحور المانيا والنمسا والدولة العثمانية وبلغاريا، ثم انضمت لقوات الحلفاء كل من إيطاليا وصربيا وبلجيكا واليونان والبرتغال والجبل وأستراليا وكندا ونيوزيلاندا الأسود واتحاد جنوب إفريقيا واليابان وآخرون، ثم انضمت إليهم الولايات المتحدة الأمريكية عام 1917 كأول مشاركة لها فى حرب خارج حدود الأمريكتين.
وقد شارك أكثر من 70 مليون فرد عسكري، 60 مليونا منهم أوربيون، وكان مسرح العمليات فى أوروبا والشرق الأوسط وإفريقيا والمحيط الأطلنطى وسواحل أمريكا الشمالية والجنوبية والصين وجزر المحيط الهادى. ونتج عن هذه الحرب الكثير من الخسائر سواء فى الأرواح البشريّة، أو فى الأراضي؛ حيث بلغ عدد قتلى الحرب ما مقداره عشرة ملايين عسكريّ، وسبعة ملايين مدنى وإصابة نحو عشرين مليون شخص، ومن نتائجها أيضا نهاية الإمبراطورية الألمانية وامبراطورية النمسا والمجر وتقسيم أراضى الدولة العثمانية وتشكيل دول جديدة فى أوروبا والشرق الأوسط وانشاء عصبة الأمم، ويهمنى أن أذكر فى هذا المقال كيف استغلت الحركة الصهيونية هذا الحدث لتحقق نتائج مصيرية لها. فقد قامت هذه الحركة فى أواخر القرن التاسع عشر وارتبطت الحركة الصهيونية الحديثة بشخصية اليهودي النمساوي هرتزل الذى يعد الداعية الأول للفكر الصهيونى الحديث والذى تقوم على آرائه الحركة الصهيونية فى العالم. وظهور الصهيونية المعاصرة كحركة وطنية ناشطة لم يكن يتم دون ظاهرة معادة السامية المعاصرة وحالة الاضطهاد المستمر لليهود فى أوروبا.
وعندما شاهد هرتزل الجماهير فى تلك الفترة وهم يصرخون: «الموت لليهود» استنتج أن الحل الوحيد أو الطريقة الوحيدة لمواجهة الحملة اللا- سامية تتمثل بهجرة ضخمة لليهود إلى أرض يمكن لهم أن يعتبروها ملكا لهم وأن معادة السامية عامل ثابت فى المجتمع الإنسانى الأوروبى لا يمكن لفكرة اندماج (اليهود) فى المجتمعات أن تحله. على هذا الأساس كان هرتزل يدرس فكرة السيادة اليهودية، فنشر فى العام 1896 الكتيب الذى يحمل العنوان (دولة اليهود) وذكر فيه أن أوروبا لا يمكن أبدا أن تقبل اليهود كمواطنين متساوين مع بقية المواطنين وكان ينظر إلى القضية اليهودية كقضية سياسية دولية يجب التعامل معها فى سياق السياسة الدولية وأن إقامة دولة يهودية تأتى بموافقة القوى العظمى وهو الذى ابتكر عبارة (إذا صدق عزمكم فهى ليست أسطورة) والتى تحولت إلى شعار الحركة الصهيوية، ووضع آرائه موضع التنفيذ بانعقاد الكونجرس الصهيونى الأول فى مدينـة بـازل بسـويســرا برئاسته وحضر مندوبون عن يهود العالم بلغ عددهم 196 عضواً وذلك عام 1897 .
ووضعت خطة العمل لتحقيق انشاء الوطن القومى فى بندين «الصهيونية الاستيطانية» التى تهدف إلى تجميع اليهود وتوطينهم فى فلسطين، و«الصهيونية التدعيمية» التى تهدف إلى تجنيد يهود العالم فى أوطانهم المختلفة؛ لتحويلهم إلى جماعات ضغط تعمل من أجل الاستيطان والمستوطنين، وهى تهدف أيضاً إلى جمع العون المالى من يهود الشتات.
وتقرر انعقاد المؤتمر سنويا وبدأ هرتزل فى التحرك السياسى فقابل السلطان عبدالحميد لشراء أراض فى فلسطين فرفض السلطان بشدة.
وعند انعقاد المؤتمر الرابع بلندن عرض فكرة انشاء الوطن القومى لليهود فى أوغندي أو الأرجنتين فى عام 1904توفى هرتزل بعد أن وضع الأسس التى تقوم عليها الدولة اليهودية، وأن تكتسب صفة دولية وأعقبه حاييم وايزمان عالم الفيزياء الذى اقتنع بأن الحل فى انشاء الدولة اليهودية يكمن فى أخذ وعد من بريطانيا بانشاء الدولة اليهودية على أرض فلسطين فحاول بكل الوسائل التقرب إلى رجال السلطة فى الإمبراطورية البريطانية، وخصوصا وزير خارجيتها بلفور فحصل على وعد بلفور فى نوفمبر عام1917، ثم وافقت عليه فرنسا وايطاليا وفى سنة 1920م وقع فى (سان ريمو) معاهدة الصلح مع تركيا وفيها أدمج بيان وعد بلفور واعتبر جزءا من المعاهدة وبذلك أعطى الوعد طابعًا دوليًا إذ سجل رسمياً لدى عصبة الأمم.
أستاذ الروماتيزم -كلية طب الأزهر