
أ.د. رضا عوض
الكندى «فيلسوف العرب»
هو أبويوسف يعقوب بن إسحق الكندى وهوعالم موسوعى فى الفيزياء والطب والرياضيات وعلم النفس والفلسفة والمنطق والموسيقى ومؤسس علم التشفير وواضع أول سلم للموسيقى العربية وهوعربيّ صميم ولذلك لقبوه بفيلسوف العرب، وكان أبوه إسحق أميراً على الكوفة للخلفاء العباسيين المهدى والرشيد حيث ولد الكندى وكانت الكوفة فى ذلك الوقت عاصمة مؤقتة للدولة العباسية لحين الانتهاء من بناء مدينة بغداد ولقد احتلت مدينة الكوفة مكانة مرموقة بوصفها منارة ثقافية أتاحت المجال لولادة الخط الكوفى الذى يعد من أوائل الأبجديات فى اللغة العربية.
وفى ظل تلك النهضة الثقافية الكبيرة ترعرع الكندى ونهل من مناهل المعرفة واطّلع على المخطوطات فى الفلسفة والمواضيع الأخرى، ولم يمض وقت طويل حتى كان الكندى مؤهلاً للانتقال إلى بغداد لكسب العلم على أعلى المستويات وفى بغداد دفعه حماسه إلى دراسة الفلسفة والعلوم الأخرى وكسب احترام المثقفين ومريدى العلم حتى أن صيته وصل إلى الخليفة العباسى المأمون حيث قام المأمون بتعيينه مديراً لبيت الحكمة الذى أنشأه المأمون ليجمع فيه العلماء من مختلف التخصصات فى سبيل إيجاد نهضة علمية تقوم على ترجمة كتب العلماء من اليونان والهند وفارس والإسكندرية وتحليلها ونقدها وإضافة الفكر الجديد بناءً على الممارسة والبحث العلمى فى المجالات المختلفة. اختار الخليفة المأمون الكندى للإشراف على ترجمة كتب الفلسفة والطب والبحث العلمى مما كان له أكبر الأثر فى نبوغه العلمى فكان غزير المادة، خصب الإنتاج فى التأليف لم يترك ناحية من نواحى العلم إلا كتب فيها، ولقد أحصى له ابن النديم 141 مؤلفاً وابن أبى أصبيعة 281 مؤلفا، 33 كتاباً فى الهندسة و33 كتاباً فى الطب و33 كتاباً فى الفلسفة و16 كتاباً فى الفلك و13 كتاباً فى الفيزياء و11 كتاباً فى علم الحساب و7 كتب فى الموسيقى و5 كتب فى علم النفس.
تناولت كتب الكندى مواضيع متنوعة، ففى مجال الرياضيات كان للكندى الفضل فى نقل الأرقام الهندية الى العربية ثم إلى العالم الأوروبى بعد ذلك. ويرجع له الفضل فى نقل الفلسفة الإغريقية إلى الوطن الإسلامى وفى مجال الطب برع الكندى فى تطبيق علم الحسابات فصمم أول ميزان حساس لقياس جرعة الدواء المناسبة للمرضى، وأدخل الموسيقى فى علاج المرضى، وسجّل فى كتابه أول تفسير علمى وعلاجى لمرضى الصرع، وهو أول من فسر نظرية السمع فذكر أنه عند حدوث الصوت يحدث اهتزاز للهواء فى شبه موجات وعندما تصطدم بطبلة الأذن يحدث السمع كما وصف العشرات من الأدوية من أصل نباتى لعلاج مختلف الأمراض وألف كتاب «كيمياء العطر» الذى احتوى على عشرات الأدوية البديلة للأدوية غالية الثمن فى عصره حتى يتسنى للمرضى الفقراء الحصول على الدواء.
وفى مجال الموسيقى فهوالذى وضع الأسس العلمية للموسيقى وكيفية تحقيق التوافق والانسجام فى الإيقاع الموسيقي، وهوالذى أضاف الوتر الخامس لآلة العود. ذُكرت فى كتبه لفظ الموسيقى لأول مرة والذى استعمل بعد ذلك فى معظم اللغات ووضع أول سلم للموسيقى العربية. وفى مجال علم النفس كان الكندى من أوائل المبدعين فى هذا المجال ونصوص علم النفس التجريبى وهوأول من أثبت أهمية الموسيقى فى علاج الأمراض العصبية..
ترجم «جيرار الكريمونى» فى القرن الثانى عشر معظم كتب الكندى إلى اللغة اللاتينية فكان له تأثير كبير على تطور علوم كثيرة على امتداد عدة قرون واهتم به إمبراطور الروم وإمبراطور الدولة البيزنطية وأرسلوا إليه الهدايا ورسائل التقدير والشكر على مؤلفاته التى كانت تُطلب بشدة فى جميع أنحاء العالم خاصةً أوروبا، كما كانت مؤلفاته فى البصريات الهندسية هادياً لعالم الفلك الكبير «روجر باكون»، وشكلت ترجمات أعماله باللغة اللاتينية المرجع للعديد من طلاب العلم فى أوروبا ليكتسب الكندى وبجدارة لقب «فيلسوف العرب».
توفى الكندى عام 873م فى عهد الخليفة المعتمد فى بغداد، تاركاً تراثاً عربياً خالداً فى مجال الطب والفلسفة والرياضيات وعلم النفس والموسيقى والفلك كنقط مضيئة فى تاريخ الحضارة الإسلامية والعالمية.
أستاذ الروماتيزم -كلية طب الأزهر