الأحد 21 يوليو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
عندما قرر إحسان اعتزال الصحافة!

عندما قرر إحسان اعتزال الصحافة!






ذات يوم من أواخر ثلاثينيات القرن الماضى قرر الأستاذ «إحسان عبدالقدوس» أن يعتزل الصحافة والكتابة إلى الأبد، لكن والدته السيدة «روزاليوسف» أقنعته بالعدول عن هذا القرار الغريب!
تفاصيل الحكاية رواها«إحسان» ضمن الإحابة عن سؤال :هل استفدت من النقد والنقاد فى رحلتك الأدبية؟ فقال:
إن الهجوم أفادنى، لا النقد، فقد بدأت بالكتابة فى السياسة، أول مقال كُتب ضدى كان سياسيًا فى جريدة «صوت الأمة» الوفدية وظهر فى الصفحة الأولى بعنوان «ابن روزا» ثم مقال على ثلاثة أعمدة فى الجريدة شتمنى وشتم أمى وأبى وأجدادى!
كل هذا لأننى كتبت مقالاً ضد «الوفد»! كنت صغيرًا متخرجًا حديثًا وذهبت بالمقال إلى والدتى، وقلت لها: إننى سوف اعتزل الصحافة والكتابة لأننى لا أتحمل أبدًا الرد علىّ بتلك الطريقة غير الموضوعية وقررت أن اعتزل الصحافة وأتفرغ للمحاماة!
لكن والدتى ضحكت وأخذتنى إلى مكتبتها وأتت بمجموعة من مجلات الكشكول، وهى مجلة قديمة كانت قد صدرت ضد مجلة «روزاليوسف» وأطلعتنى على مقالات نقدية فى شخصها فى منتهى الإسفاف والوقاحة بشكل عجيب، ثم قالت لى: من الذى يعيش حتى الآن الكشكول أم روزا؟ يجب ألا تهتم ما دمت واثقًا من نفسك استمر فأنت سوف تبقى والباقون سيختفون.. وهذا ما حدث وعدت للكتابة.
ويضيف: أنا لا أحب تجريح الآخرين حتى لو جرحونى ولا أقبل لنفسى مقعدًا لم أسع إليه مطلقًا هو مقعد القاضى الذى يحكم على الغير حتى فى مجال الأدب والنقد».
كى أكون منطلقًا يجب أن أكون صادقًا مع نفسى، كنت أرجو أن يفيدنى أحد ولكن لم أجد، لم أر ناقدًا واحدًا قلبه علىّ .. يحس بأن لدى شيئًا يمكن أن ينمو، وقد حدثت أول ضجة لى حول رواية «لا أنام» ففوجئت بشيئين: وجدت أولاً أن هناك كاتبًا كبيرًا يكتب يوميًا فى عمود صباحى بإحدى الصحف اليومية، وحين تحدثت إليه استوضحه الأمر قال لى بالحرف إنه لم يقرأ القصة ولكنه سمع عنها من الآخرين!
وفى مقال رائع لإحسان عنوانه «قلبى فى ديسمبر» يقول:
«لا أريد أن تكون حياتى معركة، أريد أن تكون حياتى حبًا. حبى للناس، وحب الناس لى، أعطى لأننى أحب وأخذ لأننى أحب! «
وصدمت فى كثير من الناس «ناس أرادوا أن يحيلوا حياتى إلى معركة» وقد أشفق علىّ الكثيرون من هذه الصدمات!
أمى كانت تقول لى: إن كل مبادئك ضد مصالحك!
ومحمد عبدالوهاب قال لى مرة: إنك تصنع الأيدى التى تضربك!
وزكى طليمات قال لى مرة: أنت أشبه بالسلم.. يصعد الناس فوقك وتظل أنت سلمًا!
ومصطفى أمين قال لى مرة: إنك تدافع دائمًا عن القضايا الخاسرة!
وإنسان كبير قال لى مرة: أنت مدب كبير!
وعلى الرغم من ذلك لم يتغير فى شىء.. ظللت متمسكًا بالمبادئ التى تتعارض مع مصالحى الشخصية، وأصنع الأيدى التى تضربنى.. واجعل من نفسى سلمًا لمن يريد أن يصعد!
وأدافع عن القضايا الخاسرة لأن أصحابها ناس.. و.. وأندب!
كنت أفعل كل ذلك لأننى استريح وأنا أفعله، لأننى أحب أن أفعله».
ويحكى «إحسان عبدالقدوس» هذه الواقعة فيقول:
«بلغنى ذات يوم إن إحدى المجلات الصغيرة تهاجمنى فأرسلت فى طلبها وقبل أن أقرأ الهجوم علىّ، علق بصرى بصورة كاريكاتورية صغيرة به وأخذت أدقق فى خطوط الصورة وقرأت المقال وأنا ما زلت أفكر فى الصورة!».
وللحكاية بقية.