الجمعة 18 يوليو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
المهنة وأصولها

المهنة وأصولها






لا أفهم ما هى الصلة بين حرية الرأى والتعبير وبين قلة الأدب والسفالة، وما هى الصلة بين مقالات الرأى وبين إساءة القول والحض على الكراهية، وهل يجوز فى فنون مهنتنا الراقية أن ننقل بأقلامنا أو «زراير» الكيبورد ألفاظا وقحة من الشارع إلى أوراق الصحف بزعم مهارة فى الخيال والتعبير.
إذا كنا متفقين جميعا أننا فى أزمة وأغلب صحافتنا تعانى من نقص المهارات وتفتقد القدرة على التطوير والإبداع، إلا أننا يجب أن نتفق على أن توصيف الأزمة لم يعد ملائما للهاوية التى انزلقنا فيها بسبب البعض ممن يعتبرون أنفسهم صحفيين وهم فى الأسف لا صلة لهم بالمهنة.
فى مصر الآن وبين صفوف عضوية النقابة أعضاء ينتسبون للمهنة وهم لم يمارسونها قدر ما مارسوا السياسة وتسببت أحداث يناير فى ضمهم للصحافة باعتبارهم مناضلين ونشطاء وباعتبارها مهنة المشاهير والفدائيين وكتائب الحرية.
هؤلاء لا صلة لهم بالمهنة ولم يمارسوها قبل الانضمام لها والترقى فى مناصبها حتى بلغ البعض منهم عضوية مجلس النقابة! آه والله عضوية مجلس النقابة، وقد يقال انتخبهم الناس وهذا صحيح، لكن ليست كل الانتخابات تأتى بالصحيح، ولا كل الانتخابات تتم فى أجواء مناسبة، ولا كل من تختارهم أقلية نجحت فى حشد صفوفها يوصفون بالحق.
المشكلة أن المهنة التى تعانى أزمات عدة تهدد استمرارها، بات هؤلاء يمثلون أكبر خطر عليها، إذ إنهم كالفيروس السرطانى الذى ينتشر فى الجسد العليل، فينشر «بلاويه» بين الناس وينقل المرض للآخرين تحت مزاعم العلاج والشفاء.
كنت أتحدث مع بعض الشباب ناصحا لهم الاسترشاد بالمهنية وبالقواعد، ومبينا لهم الفارق بين إبداء الرأى وبين الإساءة والقذف، وكيف أن مقال الرأى له مواصفاته وقواعده ولا يجب الخروج عنها وإلا تحول إلى شىء مختلف، لكنهم بادرونى بالإشارة إلى مقالات لمن ينسبون أنفسهم للمهنة باعتبارها نموذجا، وكانوا فى حال تعجب مما يطالعونه.
 الكثير من هؤلاء لا يستطيعون التفرقة بين كتابة مقال سياسى وبين مقال الرأى، وهم يعتقدون أن حرية الرأى والتعبير تعنى أن تقول كل ما تريد قوله بلا حدود، وهم يتصورون أن امتهان الصحافة كالانضمام إلى تنظيم سياسى تعمل من خلاله على إسقاط الحكومات أو الدول، فيسقطون بذلك فى دوامات لا يخرجون منها ويخسرون ثقة الناس مهنيا وسياسيا أيضا.
انضم هؤلاء إلى المهنة متصورين أنها أرض معركة لممارسة النضال السياسى من خلالها، وهم لا يعلمون أنها مهنة هدفها الأسمى تقديم الخدمة للناس وتلبية احتياجاتهم فى المعرفة، وأن رأيك لدى الناس أقل بكثير جدًا من كتابة خبر به معلومة تفيد القراء والمتابعين.
أتذكر فى منتصف التسعينيات كنت أراسل جريدة الحياة اللندنية من مكتبها بالقاهرة، وكانت جريد ذائعة الصيت بين العرب وداخل مصر، واستقبل حارس المقر بلندن طردا انفجر به بمجرد فتحه ففقد أحد أصابعه، يومها كتب أستاذنا الكبير جهاد الخازن وكان رئيسا للتحرير مقالا قال فيه «:نحن لسنا كتيبة من المقاتلين حتى ترسلوا لنا طردا ناسفا، نحن مجرد مهنيين نكتب بالقلم لنقدم خدمة للناس».
هذه هى الصحافة وهذه أصولها.