
د. ايناس الشيخ
باب النجار مخلع
عندما تُباع لك النصيحة ككبسولة دواء، لم يكن الذهاب لأخذ مشورة الأهل أو الأصدقاء أو المقربين فى (مشكلة ما) هو الخيار الأمثل للكثير مثل ذى قبل فى ظل عصر الانفتاح وثقافة الاستشارات الأسرية والزوجية.
ثقافة مجتمعية دخيلة علينا، انتشرت وبقوة مؤخراً فى المجتمع المصرى لتروجَ لمهنة جديدة هى (مهنة استشارى العلاقات) أو ما يعرف بـRelationship Coach، اتخذت من مشاكل الحياة اليومية (سبوبة) لأكل العيش، فبين عشية وضحاها تفيق لتجدَ مواقع التواصل الاجتماعى ملغمة بصفحات لأشخاص (غير معلومي الهوية) يطلقون على أنفسهم مستشارين علاقات زوجية وأسرية!... فتشعر وكأنك أمام مصباح علاء الدين السحرى... (شبيك لبيك، احكيلى مشكلتك وأنا احلهالك)!... يبدو أن المهنة مستوحاة من فيلم قديم لإسماعيل ياسين، كانت مهنته فيه حل المشاكل مقابل أجر (حلال المشاكل والعقد).
لم أجد ما يزعجنى فى انتشار مثل هذه الثقافة الجديدة، أكثر مما وجدت من رواج وشعبية كبيرة من متابعين لمثل هذه الصفحات! وكأن ماسورة من المشاكل الزوجية والأسرية انفجرت وطفحت ما فيها من مشاكل ذات طابع حساس تحتاج لرأى صائب لما يتوقف عليها من مصير أسرة بأكملها.
ما استفز قلمى اليوم للكتابة عن مثل هذه الظاهرة المتفشية... هى خطورتها فى ظل الفئة المستهدفة وهى (الأسرة المصرية) التى تعتبر نواة وأساس المجتمع المصرى، فمن المؤسف أن تجد القائمين بمثل هذه الأدوار الحساسة مجهولى الهوية، وإذا دققت البحث وجدت أن الكثير منهم كل خبرته الحياتية حصوله على (شهادات من تحت بير السلم) لأماكن مجهولة لا تعلم كينونتها، ذكرنى هذا بدبلومات الموارد البشرية التى حصل عليها كل الشعب المصرى وأصبح_ إذ فجأة_ خبيراً فى علم إدارة الموارد البشرية!... والمضحك أن هذه الدبلومة التى من المفترض أن تأخذ سنة أو سنتين للدراسة، تعطيها (أماكن بير السلم) فى ثلاثة أيام أو أسبوع على الأكثر لتجعل منك عالماً وفيلسوفاً فى علم إدارة الموارد البشرية!... أى هراء هذا!
فى الحقيقة (باب النجار مخلع) باب مستشارى العلاقات الزوجية والأسرية مخلع... يسدى لك النصيحة مقابل أجر وهو لا يعمل بها ولا يطبقها، فمن أين تأتى الثقة إذا؟ هل أصبح (مصير الأسرة المصرية) مهنة من لا مهنة له؟ هل أصبح (مصير الأسرة المصرية) هينا لدرجة أن يعتمدَ على قرار أو نصيحة أو رأى شخص غير معلوم الهوية وغير مؤهل لإسداء مثل هذه النصائح؟ هل إلى هذه الدرجة تفشى عدم الوعى الأسرى والجهل فى المجتمع المصرى ليُنصبَ من هؤلاء حكماء وفقهاء؟ لقد أصبحنا فى حالة مرثى لها حقا.
أعلم جيداً أن هناك مشاكل زوجية وأسرية ذات طابع حساس، قد تحتاج لرأى ودعم وتوجيه متخصص يشخص المشكلة بطريقة سليمة ويعطيك الدواء المناسب وفقاً لأساس علمى ومجتمعى سليم فى خصوصية تامة بعيداً عن التدخلات الخارجية، لذا...
_ أطالب بدعم المراكز الحكومية للتوعية والإرشاد الأسرى بمتخصصين واستشاريين مدربين على التعامل السليم بحكمة مع مثل هذه المشاكل.
_ أطالب بدعم حملات الإرشاد الأسرى والزوجى تجوب أنحاء الجمهورية، تكون مهمتها نشر الوعى والثقافة الزوجية والأسرية القائم على أساس علمى ممنهج وسليم.
_ أطالب بعقد دورات وندوات متخصصة للشباب المقبل على الزواج تكون إجبارية بالمجان ضمن إجراءات استكمال أوراق الزواج، تأهلهم لكيفية التعامل السليم مع قضايا الحياة الزوجية والأسرية المختلفة.
_أطالب بإدراج مناهج تعليمية متخصصة فى الثقافة الزوجية والأسرية، تكون إلزامية فى الجامعات لتوعية الطلبة والطالبات.
_وأخيراً وهو الأهم، أطالب بأن يكون للأب والأم (الدور الأول والأساسى) فى تثقيف أبنائهم وتوعيتهم بالثقافة الزوجية والأسرية بدون خجل، حتى لا يضطرون فى الكبر للجوء لمن هم ليسوا بأهل لهذه النصيحة.