الأحد 21 يوليو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
توفيق الحكيم عدو التليفزيون!

توفيق الحكيم عدو التليفزيون!






مضت سنوات طويلة وأستاذنا الكبير «توفيق الحكيم» يرفض تمامًا أن يدخل جهاز التليفزيون بيته، كما فشلت كل المحاولات معه ليجرى حوارًا تليفزيونيًا!
لكن فجأة تغير كل شىء خاصة خلال سنوات «الحكيم» الأخيرة، فقد رحلت زوجته ثم ابنه الوحيد «إسماعيل» وضعف بصره وطلب منه الأطباء تقليل ساعات القراءة وأن يبقى وقتًا أطول فى منزله، فبدأ يحس بالملل والزهق ونصحه طبيبه الخاص بشراء تليفزيون يتابع من خلاله أخبار الدنيا وما يجرى فيها.
وعاش «الحكيم» تجربة فريدة مع التليفزيون الملون رصدتها الزميلة والكاتبة العزيزة «منى سراج» وقد عاشتها عن قرب معه، وروت تفاصيلها فى تحقيق صحفى رائع عنوانه «توفيق الحكيم ناقدًا للتليفزيون» وكتبت تقول:
«وأمام تليفزيونه الصغير كان هذا الحوار فتوفيق الحكيم ليس مشاهدًا عاديًا للتليفزيون ولكنه مشاهد يملك عقلية الفيلسوف وتفكير الأديب وإحساس الفنان وخبرة عمر مع دراما الحياة».
الطريف أن الحكيم «ظل لمدة خمسة عشر يومًا يعدل فى الأزرار ويغير فى القنوات وهو يتصور أن هناك خطأ ما فى برامج وألوان التليفزيون، خاصة عندما تظهر مذيعة ولكن بعد هذه المدة اكتشف الحكيم أن ألوان التليفزيون  سليمة تماما ولكن العيب فى ألوان المذيعات ونوعية البرامج!
ويقول «الحكيم» «لمنى سراج»! التليفزيون أصبح عادة من العادات الحتمية على كل من يلازم بيته خاصة بالنسبة للأطفال والنساء والشيوخ مثلى! لذلك اعتدت بطريقة آلية أن أفتح التليفزيون لأريح دماغى من القراءة فى المساء، ولكن أغلب ما أشاهده من برامج بلغ من السوء إلى الحد الذى اكتشفت فيه فجأة أننى عندما أغلق التليفزيون وأعود إلى القراءة فإننى أشعر بسعادة ونشاط ذهنى كدت أفقدهما!
وما يحيرنى حقًا ألوان المذيعات، تصورت فى البداية أن الجهاز الملون هو السبب فكنت أقوم وأعدل فى الأزرار وأغمق وأفتح ثم اكتشفت أن هذه الألوان مصدرها المذيعة نفسها! وتساءلت كيف تستطيع مخلوقة أن تصب كل هذه الألوان على نفسها! والغريب أن أغلب المذيعات ـ ما عدا قلة نادرة ـ لا يقتصرن فى بهرجة الألوان على الوجه بل تمتد إلى ألوان الملابس!
أحيانًا أشعرf أن المذيعة قبل أن تظهر على الشاشة تأخذ علبة الألوان وتلعب بها وكلما زادت فى «العيار» اعتبرت أن هذا هو الفن والجمال!
الماكياج فن، خاصة فى التليفزيون الملون، والماكياج ليس تلوينًا بل إضافة لمسات تخفى العيوب وتبرز مواطن الجمال بشكل طبيعى، وكلما كان الماكياج خفيًا كان ناجحًا، واستعمال الماكياج عندنا فن لم ينضج بعد، وربما يرجع هذا إلى انعدام التربية الفنية والذوق الفنى الصحيح فى البيت المصرى، فقلما نجد فى البيت المصرى لوحة فنية مرتفعة الذوق موضوعة فى صالون أو قرب مائدة!
وهذه البهرجة فى الألوان تتماشى أيضًا مع الجهل باللغتين العربية والأجنبية حتى إنك أحيانًا لا تتبين أصل هذه اللغة إن كانت الإنجليزية أم السواحلية، فالجهل وصل إلى الحد الذى لا نستطيع أن نميز به النطق، هذا بالإضافة إلى الأخطاء النحوية واللغوية مما يجعل المذيعة تساهم فى نشر الأخطاء اللغوية فى محيط واسع، فى الوقت الذى نريد من التليفزيون أن يكون عنصرًا فعالاً فى نشر اللغة الصحيحة والذوق السليم!
ولذلك لا بد أن يعاد النظر فى اختبارات المذيعات وبصراحة أنا أقترح أن المذيعة تعطى ظهرها للشاشة خلال البرامج!
ولم يكن ذلك فقط مجرد ملاحظات متفرج لامع جدًا، بل كان هناك ما هو أهم وأخطر وأعمق بكثير فى حواره المهم مع الزميلة «منى سراج» شتاء مارس سنة 1979.