رشاد كامل
«روزاليوسف» والبحث عن كاتب سياسى!
كانت أغرب مشكلة واجهت السيدة «روزاليوسف» بعد أن أصبحت مجلتها سياسية هى البحث عن كاتب سياسى يتولى تحرير وكتابة هذه الصفحات.
وعندما فاتحت الأستاذ «محمد التابعى» فى هذا الأمر رفض وقال لها بلهجة قاطعة: لا يا ستى أنا لا أحب السياسة ولا السياسيين!!
وتقول «روزاليوسف» كانت العقبة الأولى هى إيجاد شخص ابن حلال يتولى تحرير القسم السياسى بالمجلة وأقصد بابن الحلال فى هذا المقام الشخص الذى يشتغل من غير أن يأخذ أبيض ولا أسود حتى تنفرج الحال ونصل إلى أرض الميعاد، وبعد البحث والتنقيب عثرت على ضالتى فى الأستاذ «حبيب جاماتى»، وهو رجل خدوم إلا أنه من أصحاب اللمسات ولمسته خفيفة الدم!
كان وديعًا كالحمل ما دمنا لا نتكلم فى السياسة، أما إذا أخذت أشير عليه بما يجب أن يعلق عليه من الأخبار السياسية فإنه يهيج ويركبه ألف عفريت وأثور أنا بدورى ويركبنى ألف عفريت بحكم العدوى، وتمتد أيدينا إلى شد الشعور، فإذا انتهينا عدنا وادعين متصافين يشرب كل منا نخب صاحبه فى كوبه ماء القلة.. وما أردته يكون!!
وفى أول الأمر احتفظت المجلة بطابعها وشكل غلافها ونوع المواد فيها عدا الأبواب السياسية التى أضيفت إليها وكان يحرر معظمها الأستاذ «حبيب جاماتى» بإمضاء «رقيب»!
أما الصديق الأستاذ التابعى فقد تعبت معه حتى أقنعته بأن يجرب قلمه فى الكتابة السياسية، كان يحدث أن يجيء مقال الأستاذ «حبيب جاماتى» أقصر من الحيز المخصص له فأطلب من التابعى أن يتمم الفراغ بتعليق سياسى، وهنا يصرخ ويحتج ويرفض الاقتراب من بحر السياسة بإباء وشمم، ولكن مناقشاتنا كانت تنتهى كما قال بانهزامه وانتصارى فيكتب كلمة قصيرة فى السياسة تدل ــ رغما عنه ــ على استعداد سياسى ممتاز!
وكان جاماتى ينقطع عن الكتابة لانشغاله بمهام أخرى فلم يكن لى بد من أن أعتمد على غيره، فمن «جاماتى» إلى «محمد أبوالعز» إلى «رمزى نظيم» إلى «عبدالمجيد حلمى» إلى «أسعد لطفى» إلى «أحمد عبدالرحمن قراعة»، إلى «عبدالرحمن نصر»!! كان يجرى التناوب فى كتابة القسم السياسى بالمجلة فى كل أسبوع، وهذا القسم السياسى لا يتجاوز الصفحة أو الاثنتين فى كل عدد، هذا وصديقى التابعى واقف يتفرج علينا ويجود علينا بالنكت الظريفة كلما تحركت أوجاع النكتة!
وكان القسم السياسى ينحصر فى تعليقات خفيفة على أهم الحوادث السياسية، فكان موقفنا من السياسة كموقف الذى ينوى الاستحمام فى البحر مدفوعًا برغبة شديدة فيلبس لباس البحر ثم يتقدم إلى الموج، فإذا غمر الماء قدميه يتراجع واكتفى من السباحة البطبطة وغسيل الوجه ورش الماء على الرأس ثم قراءة الفاتحة والرجوع إلى الكباين!
أما أنا فمازلت أذكر أول عمل قمت به فى الصحافة السياسية وكان ذلك بمناسبة حادث من أبرز حوادث التاريخ المصرى الحديث، وفى العدد 25 الذى صدر بتاريخ 21 إبريل سنة 1926 ظهر أول مقال سياسى لى وعنوانه «محكمة الجنايات» ملاحظات ممثلة وصحفية ومحكمة الجنايات هنا هى المحكمة التى عقدت محاكمة «أحمد ماهر» و«محمود فهمى النقراشى» وكانا فى عداد المتهمين بمقتل السردار، وكانت ملاحظاتى ملاحظات فنانة لها عين متفحصة، وتعليقاتى تعليقات صحفية تعودت أن تدس بأنفها فى كل شق!!
«روزاليوسف» السياسية كانت هذه العاطفة أول مكسب والصلاة على النبى خرجت به من اشتغالى بالسياسة.
ولم تأخذ «روزاليوسف» من السياسة جانبها الهادئ أو تقف على الحياد بل اقتحمت أخطر مناطق السياسة وذهبت فى الهجوم والتأييد إلى أبعد الحدود.
وللحكاية بقية!