
محمد صلاح
مستقبل كليات القمة
« إن فاتك الميرى اتمرغ فى ترابه».. مثل شعبى قديم، يعود إلى العصر الرومانى فى زمن احتلال الإسكندر الأكبر لمصر، ظل يتردد كثيرا بين الشباب الباحثين عن الوظيفة الحكومية، آملا فى الأمان والاستقرار بدلا من العمل تحت رحمة رجال المال والأعمال، فرغم البطالة المقنعة التى يعانى منها الجهاز الإدارى للدولة الذى يتجاوز عدد العاملين به 6.7 مليون موظف، إلا أن حلم الوظيفة الميرى مازال يراود أكثر من 800 ألف شاب يخرجون إلى سوق العمل سنويا.
ولكن حلم الوظيفة الميرى، تحول إلى سراب، امتد إلى خريجى كليات القمة « الطب والصيدلة»، بعد تزايد أعداد الخريجين من الجامعات الحكومية والخاصة والأجنبية بمعدلات تفوق احتياجات سوق العمل، رغم التحذيرات المتعددة من جانب وزارة الصحة بأن هناك اتجاها لإلغاء تكليف الأطباء والصيادلة.
الفيديو الذى تم تسريبه لوزيرة الصحة الدكتورة هالة زايد خلال اجتماع لها أمام لجنة الصحة بالبرلمان، ثم تم حذفه بعد ساعات ، وألمحت فيه إلى عدم قدرة الوزارة على تحمل تكلفة تعيين جميع الخريجين من كليات الطب والصيدلة، وهو ما أثار ثورة غضب عارمة بين طلاب وخريجى كليات القمة، فبعد 9 سنوات من سهر الليالى فى المذاكرة، ودفع المليارات للجامعات الخاصة، والدروس الخصوصية، ومذكرات الأساتذة فى المدارس والجامعات، انتظارا للحظة التخرج وارتداء البالطو الأبيض، إلا أن عشرات الآلاف من الخريجين سينضمون إلى طابور البطالة، والجلوس على المقاهي..
«بيلزمونى أكلف كل الصيادلة، ويرد أحد النواب :» متكلفيش يا دكتورة»، فترد الوزيرة: «هيقفوا فى الشارع، بيدونى 16 ألف صيدلى.. وأنا عايزة 3 آلاف»، فرد النائب :» نسقى مع وزير التعليم العالى عشان الأعداد اللى بتتخرج»
هذا هو نص الفيديو المسرب الذى تم حذفه بعد ساعات قليلة من اجتماع لجنة الصحة، والذى أشعل غضب نقابة الصيادلة التى طالبت بإقالة الوزيرة وطالبتها بالاعتذار.
لم تمر ساعات إلا وأطلق الدكتور خالد عبد الغفار وزير التعليم العالى قنبلة دخان جديدة، أدمت قلوب الحالمين بكليات القمة، إذ أكد أن كليات القمة لن يكون لها وجود فى المستقبل، وسينتهى الشكل العام للوظائف، واللى عنده ولد أو بنت فى المرحلة الإعدادية، عليه أن يفكر جيدا فى التخصص الذى يحتاجه سوق العمل، بعدما أصبح المجتمع فى حاجة إلى الذكاء الاصطناعى.
ما جاء على لسان وزيرى الصحة والتعليم العالى، جاء كاشفا لما سبق وتحدث عنه الدكتور طارق شوقى وزير التربية والتعليم، عندما أكد فى رؤيته لتطوير التعليم على تغيير الصورة النمطية للمدرسة، وأن كليات القمة لن تكون «الطب والهندسة» حتى لا ينتهى الأمر إلى وجود خريجين غير مؤهلين لسوق العمل، وزيادة أعداد العاطلين.
ما حدث يؤكد أن تنسيقًا قد بدأ بين وزارتى الصحة والتعليم العالي، بأن تحدد الصحة ضوابط جديدة لتعيين الأطباء والصيادلة من خلال المسابقات وليس التكليف وأن تلتزم وزارة التعليم العالى بتوفير احتياجات المستشفيات الحكومية والخاصة.
فالجامعات الحكومية والخاصة تدفع بأكثر من 103 آلاف من خريجى كليات الطب البشرى وطب الأسنان والصيدلة والعلاج الطبيعى بما يزيد على احتياجات سوق العمل وخصوصا بعد زيادة أعداد الجامعات الخاصة.
فمن يتخيل أن عدد خريجى كليات الصيدلة منذ 1947 وحتى 2007، بلغ 28 ألف صيدلي، ومنذ عام 2007 وحتى 2017 بلغ العدد 64 ألف صيدلي، من 38 كلية حكومية وخاصة، وهو أعلى معدل لكليات الصيدلة فى العالم مقارنة بعدد السكان، بمعدل صيدلى لكل 1300 مواطن فى حين أن المعدل العالمى صيدلى لكل 5000 مواطن.