
محمد صلاح
«دستور الضرورة» .. ليس قرآنا
بموافقة أغلبية أعضاء مجلس النواب، على مبدأ تعديل بعض مواد الدستور، اتسعت دائرة الجدل حول جدوى تلك التعديلات، وهو ما ستستفيد منه اللجنة التشريعية بالبرلمان، بدعوتها ممثلين عن المؤيدين والمعارضين من كافة فئات المجتمع والأحزاب السياسية غير الممثلة والمؤسسات الإعلامية لعقد جلسات استماع موسعة حول ماهية تلك المواد، وستكون الكلمة فى نهاية المطاف للشعب، باعتباره مصدر السلطات، وصاحب الحق الأصيل فى تحديد مستقبل الوطن.
وكعادتها.. تقود جماعة الإخوان الإرهابية، وحلفاء الشيطان فى الداخل والخارج، حملة مشبوهة ممولة من قطر وتركيا، ليس الهدف منها فقط رفض التعديلات، بل إسقاط الدولة المصرية، بدعوة عناصر الإجرامية تكثيف العمليات الإرهابية التى تستهدف أبطال الجيش والشرطة والمدنيين، مثلما حدث أمام مسجد الاستقامة بالجيزة، وشمال سيناء وأخيرًا فى منطقة الأزهر الشريف، فضلا عن ترويج الأكاذيب والشائعات، رغم أن تلك الجماعة فى 2011، خاضت وبشراسة ما أطلقت عليه الدعوة السلفية آنذاك بـ«غزوة الصناديق» لتمرير التعديلات الدستورية، كما أنها أطلقت الزغاريد فرحًا وابتهاجًا بتعديلات كفيلهم رجب طيب أردوغان والتى أتاحت له البقاء فى السلطة حتى 2029، إيمانا من عناصرها الهاربة أن ذلك يوفر لهم الملاذ الآمن، ويضمن استمرار تمويل القنوات المشبوهة التى تحرض ليلا ونهارا لإسقاط الدولة المصرية.
إذا كنا على يقين بأن مصر مستهدفة من خونة الداخل والخارج، فإننا على يقين أيضا أن التفاف الشعب حول أبطال الجيش والشرطة، سيحبط مؤامراتهم، وأن إتمام التعديلات الدستورية، واستكمال مسيرة البناء والتنمية سيقضى على ماتبقى لديهم من آمال وطموحات.
فالدستور الذى ملأ الدنيا حوله ضجيجا، ليس إلهًا نعبده، ولا كتابا نقدسه، أو قرآنا لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، ولا وحيا لنبى أو رسول، ليس من صنع الملائكة، بل من فعل البشر، ومادام كذلك، فإن تعديله ليس بدعة أو رجسا من عمل الشيطان، فهو مجرد وثيقة تنظم الحقوق والواجبات وفقا لمتطلبات العصر، وقد حددت المادة 226 من الدستور من يملك حق تعديله إما فى يد الرئيس أو خمسة أعضاء من مجلس النواب.
وقد يتساءل البعض أن الدستور الحالى لم يمر على إقراره أكثر من 3 أعوام، فلماذا يتم تعديله الآن؟ وهنا يجب أن نوضح أن التطبيق العملى لمواد الدستور، هى من تكشف عيوب «دستور الضرورة» الذى صدر فى فترة تعرض فيه الدولة لظروف قاسية، وجرائم إرهابية ارتكبتها جماعة الإخوان، أما الآن فنحن دولة مستقرة تحتاج إلى استكمال مسيرة التنمية.
وإذا نظرنا إلى واقع الدول الحديثة، فدائما ما تعدل دساتيرها عند الحاجة لذلك، فدولة مثل فرنسا « قلعة الحريات» فى العالم، عدلت دستورها بعد عامين فقط من إقرار دستور الجمهورية الخامسة، وخلال أقل من 60 عاما عدلت دستورها 24 مرة، بما يعنى تعديل دستورها كل 3 سنوات، وكذلك الأمر بالنسبة لأمريكا التى عدلت دستورها 27 مرة، وألمانيا 62 مرة، وجنوب أفريقيا عدلت دستورها 11 مرة خلال 16 عاما بمعدل تعديل دستورى كل سنة ونصف، أما تركيا فقد شهدت 17 تعديلا دستوريا خلال 29 عامًا، بمعدل تعديل دستورى فى أقل من عامين، من بينها 3 تعديلات دستورية خلال فترة حكم أردوغان، ودولة مثل الهند يحدث بها تعديل لمواد الدستور بشكل شبهة يومى، من خلال الأغلبية فى البرلمان، واللافت أن هناك دولًا لا يوجد بها دستور، لعل أبرزها بريطانيا وإسرائيل.
تعديل مدة الرئاسة إلى 6 سنوات بدلًا من أربعة، تمثل ضرورة لاستمرار عملية التنمية الشاملة، لتدخل مصر ضمن الـ 15 دولة الأقوى اقتصادا فى العالم، ولتحافظ على ترتيب قدراتها العسكرية عالميا، فدولة الصين التى تتصدر دول العالم اقتصاديا وعسكريا عدلت دستورها فى مارس من العام الماضى وجعلت مدة الرئاسة مفتوحة، كما أن الرئيس الروسى فلاديمير بوتين يعد الحاكم الفعلى لروسيا منذ عام 1999، وكذلك المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل يستمر حكمها لمدة 16 عاما.
تعديل مواد الدستور أصبح ضرورة لضمان تمثيل عادل للعمال والفلاحين والمرأة فى المجالس النيابية والشعبية، وتعيين نائب أو أكثر لرئيس الجمهورية.