
أ.د. رضا عوض
أبوبكر الرازى
هوأبوبكر محمد بن زكريا الرازى وُلد فى 26 أغسطس عام 865م فى مدينة الراى فى إيران بالقرب من طهران وعرف منذ صغره بحب العلم؛ فاتّجه منذ وقت مبكر إلى تعلم الموسيقى والرياضيات والفلسفة والكيمياء. ولما بلغ الثلاثين من عمره اتجه الى دراسة الطب على يد بن سهل ربان الطبرى وأصبح طبيباً مشهوراً فى بلدته ومديراً لمستشفى راى بمسقط رأسه وانتقل بعد ذلك إلى بغداد فى عصر الخليفة المعتصم وأصبح مديراً للمستشفى المركزى ببغداد. عُرف الرازى بذكائه الشديد وذاكرته العجيبة فكان يحفظ كل ما يقرأ أو يسمع حتى اشتهر بذلك بين أصدقائه.
يُعدّ أبوبكر الرازى أعظم العلماء المسلمين فى الطب من ناحية الأصالةِ فى البحث والخصوبة فى التأليف فقد بلغت مؤلّفاته 146 مصنفاً منها 116 كتاباً و30 رسالة وظل طوال حياته بين القراءة والتصنيف حتى قيل إنه إنما فقد بصره من كثرة القراءة ومن اجراء التجارب الكيميائية فى المعمل. وقد امتازت مؤلفات الرازى بالموسوعية والشمول بما تجمعه من علوم اليونان والهنود بالإضافة إلى أبحاثه المبتكرة وآرائِه وملاحظاته التى تدل على النضج والنبوغ كما تمتاز بالأمانة العلمية الشديدة إذ إنه كان ينسب كل شىء نقله إلى قائله ويرجعه إلى مصدره.
يأتى الرازى فى المرتبه الثانية بعد ابن سينا فى الطب وكان الرازى رءوفاً بالمرضى مجتهداً فى علاجهم بكل وجه يقدر عليه مواظباً على النظر فى غوامض صناعة الطب والكشف عن حقائقها وأسرارها حتى أُطلق عليه «أبوالطب العربى».
كان الرازى سخياً وفياً لمرضاه فكان يعالجهم بدون أجر وهو يُعدّ من الرواد الأوائل للطب ليس بين العلماء المسلمين فحسب وإنما فى التراث العالمى والإنسانى بصفةٍ عامة، ومن أبرز جوانب ريادة الرازى وأستاذيته نبوغه واكتشافاته فى الكثير من الجوانب فهو يُعَدُّ مبتكر خيوط الجراحة المعروفة فى الطب، وأول من صنع مراهم الزئبق، قدم شرحاً مفصلاً لأمراض الأطفال والنساء والولادة والأمراض التناسلية وجراحة العيون وأمراضها، كما يُعرف الآن بأبوطب الأطفال فى تاريخ الطب البشرى فلقد ألّف أوّل كتاب فى طب الأطفال وجعله علماً وتخصصاً مستقلاً بذاته.
كما كان من رواد البحث التجريبى فى العلوم الطبية، وقد قام بنفسه ببعض التجارب على الحيوانات كالقردة فكان يعطيها الدواء ويلاحظ تأثيره عليها فإذا نجح طبّقهُ على الإنسان، كما اعتنى بتاريخِ المريض وتسجيل تطورات المرض حتى يتمكن من ملاحظة الحالة وتقديم العلاج الصحيح له وتُتّبع هذه الطريقه حتى الآن فى ممارسة الطب الحديث وكان يستفيد من دلالات تحليل الدم والبول والبراز والنبض لتشخيص المرض. ولقد اهتم ابن الرازى بالنواحى النفسية للمريض ورفع معنوياته ومحاولة ازالة مخاوفه حتى يُشفى فيقول فى ذلك: ”ينبغى للطبيب أن يعطى الأمل للمريض فى الشفاء فمزاج الجسم تابع لأخلاق النفس“ ويُحكى عن الرازى أنه عندما طلب منه الخليفه العباسى بناء مستشفى فى بغداد قام الرازى بإجراء أول تجربة فى الطب الوقائى بأن أمر بتعليق قطع من اللحم فى أماكن مختلفة ببغداد وبعد عدة أيام اختار مكان إقامة المستشفى فى المكان الذى حدث فيه أقل تحلل لقطع اللحم على أنه المكان النظيف الذى يصلح لإقامة المستشفى .