الجمعة 12 يوليو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
«القتل باسم الرب»

«القتل باسم الرب»






ابحث عن الجماعة أى جماعة، لا يهم، فدائما هناك جماعة وأفكار للجماعة، نعم لا تستهوينى كثيرا نظرية المؤامرة، لا أستسيغ لعبة «الشماعة» الجاهزة نعلق عليها كل خطايانا، لننام مرتاحى الضمير .. لكن حادث نيوزيلندا الإرهابى، فجر فى رأسى سؤال حول النظرية نفسها، وزيارة القاتل لتركيا فى2016، فقد ثبت أنه أجرى رحلات عدة إلى تركيا، وهناك تحقيقات حول الأمر من التقاه هناك، وماذا فعل؟
لماذا ظهرت الأسلحة التى استخدمها، مكتوب عليها أسماء شخصيات تاريخية عسكرية، بينهم أوروبيون قاتلوا القوات العثمانية فى القرنين الخامس عشر والسادس عشر!
ما الغريب فى كتابة أسماء شخصيات عسكرية حاربت فى القرنين الخامس والسادس عشر؟!
الغريب هو ما كتبه فى سيرة ذاتية قصيرة جدا، ويقدم فيها برينتون تارنت نفسه على أنه «رجل أبيض عادى .. مولود فى أستراليا فى عائلة من الطبقة العاملة ذات دخل منخفض».
ويصف شبابه بأنه كان «طبيعيا»، وتخرج بصعوبة من المدرسة الثانوية ولم يرغب بمتابعة دروس جامعية.
السيرة الذاتية للإرهابى تجيب عن سؤال مهم «من أين تستقى وتبحث عن وتطور معتقداتك؟»، وكانت الإجابة «الإنترنت، بالطبع، لن تجد الحقيقة فى أى مكان آخر».
وقال: «أصول لغتى أوروبية وثقافتى أوروبية ومعتقداتى السياسية أوروبية ومعتقداتى الفلسفية أوروبية وهويتى أوروبية والأهم من ذلك أن دمى أوروبى».
كيف لهذا الشاب البسيط، أن يعتنق كل هذه الأفكار، ومن دربه على استخدام السلاح وتبرير الجريمة فى مذكرات وصلت إلى 70 صفحة، من له علاقة بحرب فى القرنين الخامس عشر والسادس عشر، ولماذا يدافع شاب عن البيض باسمهم!
دائما ما تقف أمامى الأسئلة حائرة كلما تكرر القتل باسم الرب، أسئلة عن تحول التفكير.. كيف يتقرب إلى الله بالقتل، كيف يعتنق دينا أساسه التسامح، ومن لطمك على خدك الأيمن فأدر له خدك الأيسر، ثم يرى فى القتل نجاة.
مكبّل اليدين، ووجه غير واضح طل علينا الأسترالى برينتون تاران «28 عاما»، وهو فى طريقه إلى المحاكمة، التهمة الموجّهة إليه: قتل العشرات فى مسجدين فى كرايستشريش فى نيوزيلندا.
اعترافات الإرهابى مثيرة جدا، الشاب الأسترالى الذى قتل 51 يصلون فى مسجدين فى دقائق ببلد تعداده 5 ملايين والمسلمين 1% والجرائم به لا تتعد 50 سنويا.. هو «يمينى متطرّف»
الإرهابى  تارانت – 28 عاما- انضم  لجماعة «فرسان الهيكل»، تانى الإنضمام للجماعة!
البداية دائما الانضمام لجماعة، والتشبع بأفكارها، تصبح دمية فى يد آخرين مجرد آلة للقتل، لا تفكير ولا حياة!
القاتل فى اعترافاته المكتوبة فى 16 ألف كلمة، وضعها كوثيقة فى أكثر من 70 صفحة يقول إن قد يحصل على نوبل فى المستقبل، لتصديه لما أسماه الإبادة الجماعية البيضاء، والتى ستنهى على  «البيض» ويتم استبدالهم بغير البيض فى الدول الغربية.
وفى جملة واضحة كتب : «يجب أن نحمى وجود شعبنا ومستقبل الأطفال البيض»، وطالب البيض بقتل الغزاة غير البيض والمسلمين وإنجاب المزيد من الأطفال.
نفس أفكار الجماعة، أى جماعة، داعش، إخوان، جبهة النصرة، القاعدة، كلها واحدة، قتل المخالفين لك فى الرأى والعقيدة أو اللون، هو الطريق إلى رضا الرب، إلى الجنة وحور العين!
نفس الأفكار التى تخلعك من نفسك وأسرتك ودينك وأهلك وتسلمك بلاروح ولا عقل إلى آخرين يفعلون بك ما يشاءون.
نفس الأفكار والجمل التى ستسمعها من أسر هنا بعد إعدام إرهابيين قتلة، عن طيبتم وأخلاقهم، وتفوقهم، ستسمع نفس الكلام فى استراليا ونيوزيلندا!
جدة الإرهابى «جويس تارانت»  والبالغة من العمر 94 عاما قالت بعد الحادث، ليس من الممكن أن يكون «الفتى الطيب» الذى شاهدته فى عيد الميلاد الماضى هو من قتل  51 شخصًا، القاتل البارد الذى صور نفسه وهو يطلق النار بهدوء على المسلمين خلال صلاة الجمعة لم يكن الحفيد الذى عرفته.
وتكمل فى تصريحات إعلامية إنه ولد طيب، ولطيف وكان يزورنا مرتين فى السنة.
نفس الكلمات، ولد طيب، بار بوالديه، يصلى الفرض بفرضه، ويعلم الأطفال القرآن، متفوق فى دراسته، معقول يكون الأول فى هندسة وطب، ويكون قاتلا إرهابيا، معقول الوجه السمح الجميل، والابتسامة اللزجة هذه تخفى وراءها قاتل!
ألم أقل لكم من البداية أن الأمور متشابهة، دائما ابحث عن الجماعة؟ ألم أقل لكم.