
صبحي مجاهد
حسن الصحبة بالأمهات
الأم كلمة تحمل بين جنباتها أعظم صور التضحيات التى لا يستطيع بشر أن يقدمها سوى شخصية واحد هى «الأم» التى خلقها الله لتكون الوعاء الذى يحمل العطاء المستمر لابنائها، ولذلك لم يكن هناك احق بحسن الصحبة من الأم، ولذلك قدمها النبى صلى الله عليه وآله وسلم وجعلها مقدمة على الأب فى ذلك؛ فعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضى الله عنه قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم فَقَالَ: مَنْ أَحَقُّ النَّاسِ بِحُسْنِ صَحَابَتِي؟ قَالَ: «أُمُّكَ»، قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: «ثُمَّ أُمُّكَ»، قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: «ثُمَّ أُمُّكَ»، قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: «ثُمَّ أَبُوكَ» متفق عليه.
وقد يعتقد البعض ان حسن الصحبة بالأمهات يعنى تقديم الهدايا فى يوم الأم أو محادثتها فى الهاتف من يوم لآخر أو زيارتها، لكن حسن الصحبة بالأم يتطلب ان يعامل الأبناء امهاتهم بصورة تشعر الأم بالسعادة، فمعظم من يحسنون معاملة امهاتهم يشعرون الأم بأن هذا مزيد فضل منهم عليها، ويتباهون بذلك بين أقرانهم، وتناسوا ضرورة ان يكون حسن صحبتهم للأم من القلب وبحب ؟
إن ما نراه من بعض الأبناء لأمهاتهم يجعل الأم قد تحزن على ما قدمته لأبنائها من جهد وضياع عمر، والسبب ان الأمهات والآباء عندما يربون أبناءهم لا يهتمون بزرع قيمة الوفاء فى نفوس الأبناء، وينسون زرع القيم والأخلاق فى الأبناء ويهتمون بتلبية الاحتياجات، فيكبر الأبناء ولا يعرفون معنى الوفاء والبر بالأم والأب.
ومن يهتمون بالأم وصحبتها فقد يغفل عنهم حقيقة الصحبة الحسنة، وليس من حسن الصحبة أن تجلس الأم لابنها فرحة به وهو منشغل عنها بصحيفته أو بهاتفه أو بغير ذلك؛ فإن هذا من سوء المجالسة، وقال العلماء: إنه يخشى أن يكون مع الأم من العقوق؛ لأنه يدل على عدم اهتمامه بمجلسها، ولا إنصاته لحديثها، وكم يقع الأولاد فى مثل ذلك وهم لا يشعرون.
ولعل من حسن صحبة الأم أن يحتمل الابن والبنت غضبها، وأن يسعى فى مصالحها، ويقوم على خدمتها، خاصة إذا احتاجت إلى ذلك لكبر أو مرض وفى قصة أصحاب الغار الثلاثة الذين انحدرت عليهم الصخرة فأغلقته فتوسلوا لله تعالى بصالح أعمالهم كان من أسباب التفريج عنهم أن أحدهم بالغ فى خدمة والديه فأحضر اللبن لهما وقد ناما فمكث الليل كله واقفا به ينتظر استيقاظهما فسقاهما، واستقت أم ابن مسعود ماء فى بعض الليالي، فذهب فجاءها بشربة، فوجدها قد ذهب بها النوم، فثبت بالشربة عند رأسها حتى أصبح.
وللسلف الصالح أحوال عجيبة فى خدمة أمهاتهم والقيام على حاجاتهن، وتلبية مطالبهن، فكان أبو هريرة رضى الله عنه يلى بنفسه حمل أمه إلى المرفق - إى لقضاء حاجتها- وينزلها عنه، وكانت مكفوفة. وقالت عائشة رضى الله عنها:« كان رجلان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أبرّ من كانا فى هذه الأمة بأمهما: عثمان بن عفان، وحارثة بن النعمان رضى الله عنهما. فأما عثمان فإنه قال: ما قدرت أن أتأمل أمى منذ أسلمت. وأما حارثة فإنه كان يفلى رأس أمه ويطعمها بيده، ولم يستفهمها كلاماً قط تأمر به حتى يسأل من عندها بعد أن يخرج: ما أرادت أمي؟».
وعن سفيان الثورى قال: «كان ابن الحنفية يغسل رأس أمه بالخِطْمِى - وهو نبت يغسل به الرأس- ويمشطها ويخضبها».