
د. ايناس الشيخ
الكلمة كلمتى.. والشورة شورتى!
بهذه الكلمات المتسلطة.. بصوت جهورى جسد «سى السيد أحمد عبد الجواد» ملامح شخصية الرجل الشرقى فى ثلاثية الرائع نجيب محفوظ، هذه الشخصية التى كانت جيناتها ممتدة و أكثر تأثيراً.. لتأتى من رحم «الست أمينة» بنسخ عدة تحمل هذه الجينات المتسلطة.
«أمرك ياسى السيد» -هذه الكلمات التى تلونت بالانكسار والطواعية- كانت ملاذاً آمناً لرجولة السيد أحمد عبد الجواد، ومازالت ملاذاً آمناً لرجولة الكثير من الرجال، فمازالت العبارة الأكثر طرباً والأعذب إيقاعاً لأذن الكثير من الرجال، و الوجبة الأكثر شهيةً بمكوناتها كغذاء لنمو خلايا الرجولة السرطانية.. هذا المرض اللعين الذى أصاب» الرجولة الحقيقية» فى مقتل؛ فشوه ملامحها.. وألقى بها صريعةً فى براثن «رجولة مزيفة» أصابها الخلل فى التفرقة بين «الرجولة» و «الذكورة»!.
مع مرور الوقت.. وبعد مرور أكثر من ٦٠ عاماً على شخصية «سى السيد أحمد عبد الجواد»، إلا أن قوة جيناته مازالت ممتدة وتضرب بقوة فى الجذور، لتأخذَ النصيب الأكبر فى تشكيل ملامح شخصية الكثير من الرجال اليوم..ولكن يبدو أن هذه الجينات خلال رحلة استنساخها تعرضت لكثير من التشوهات بفعل (ظاهرة العولمة، و الانفتاح)، التى شكلت صدمة حضارية نتج عنها نمط هجين «سى السيد العصرى».
مع الملاحظة الدقيقة فى واقع الحياة الزوجية والأسرية فى المجتمعات الذكورية، هذه المجتمعات التى لم تستطعْ حماية جيناتها الشرقية من التهجين الغربي، وفى المقابل لم تكنْ جيناتها على قدر من المرونة التى تسمح باحتواء ما نتج عن عصر العولمة والتطور التكنولوجى من مظاهر للانفتاح أدت بدورها لتصدير مفاهيم جديدة للمجتمعات الشرقية مثل [ المساواة بين الرجل والمرأة، وحرية المرأة].. مما نتج عنه ازدواجية الرجل الشرقي، التى تسببت بإحداث خلل كبير فى العلاقة الزوجية والأسرية.
ازدواجية الرجل الشرقى «سى السيد العصري» التى أوجزت تعريف (القوامة) فى شرعية التحكم والتسلط على الزوجة، واقتصرت (الرجولة) على استخدام الصوت الجهورى كلغة للتعامل مع المرأة، واعتبرت (النخوة) مبرراً للغيرة المذمومة والشك غير المُبرَر، وتحت مظلة (الغيرة) دفنت طموح وكيان المرأة، وألصقت مفهوم ( الرجولة) بتعدد العلاقات الشرعية وغير الشرعية، على أساس أن الرجل لم يعبه شيء!.
هذه المعايير المزدوجة كانت لها معياران فى القياس، فمعيار لقياس الأم والأخت والزوجة يختلف تماماً عن معيار قياس الأخريات.. ومعيار قياس القوامة يختلف عن معيار تحمله كرجل المسئولية والتزامه بالواجبات.
فى الحقيقة.. لم يكنْ الكثير من الرجال من نمط «سى السيد العصرى» على قدرٍ من الجرأة للإفصاح عن هذا الخلل، ولم يكنْ أيضاً الكثير منهم على قدرٍ من القدرة لمواجهة هذا الخلل، ولم تكن ملامح رجولته الشرقية قادرة على تقبل هذه الجينات الهجين وترويضها بذكاء!.
فللأسف.. «الست أمينة» التى عانت طويلاً من سطوة سى السيد، وبالرغم من تمردها وخروجها إلى العمل..إلا أنها مازالت تربى لنا «سى السيد آخر».. هذه المفارقة الغريبة التى لم أستوبعها بعد، فى تربية الكثير من الأمهات لأبنائهم على أساس مجتمع ذكورى بحت لا يضع فى تعريفه مقاماً للمرأة.. من الواضح أن جينات «الست أمينة» أيضاً مازالت متأصلة وممتدة فى كل أم تربى أولادها بذكورية دون رجولة، ولم أستطعْ أن أخفى عليكم؛ ما أصاب هذه الجينات من خلل وازدواجية هى الأخرى.
أعتقد أن أولي خطوات العلاج هى إدراك خطورة هذا التشوه على «الأسرة خاصة وعلى المجتمع ككل»، فالخلل القيمى عاقر عن إنجاب أشخاص أسوياء وعلاقات سوية، ثم يأتى القدرة على الاعتراف بهذا الخلل كخطوة ثانية، ثم المواجهة المجتمعية بكل قواها الفاعلة وعلى رأسهم دور «الأم» كعنصر أساسى و أولى فى التربية، و احتواء الصراع القيمى وما ينتج عنه من خلل.