
أ.د. رضا عوض
حنين بن اسحق
هو أبو زيد بن اسحق العبادى والمعروف بحنين بن اسحق العبادى، عالم موسوعى ومُترجم وطبيب مشهور درس علوم النبات والفلك والرياضيات والمنطق والطب وكان يُتقن اللغات العربية واليونانية والسريانية والفارسية وقام بمجهود كبير فى ترجمة كتب الطب والعلوم الإغريقية الى اللغه العربية والسريانية فى عهد الخلافه العباسية وهو يعتبر من أكثر علماء العرب الذين قاموا بهذا العمل.. قام بترجمة أعمال جالينوس وابقراط وارسطو والعهد القديم من اليونانية حيث حَفَظت ترجماته أعمال جالينوس وغيره من الضياع.
ولقد أرسى بنقلِه التراث اليونانى الى العربية أسس تطور الطب والعلم والفلسفة فى الحضارة الإسلامية فى القرن التاسع ثم الغرب اللاتينى المسيحى فى القرن الثانى عشر وذلك عن طريق ترجمة كتبه الى اللاتينية بواسطة جيرار الكريمونى وقسطنطين الافريقى.
ولد حنين بن اسحق فى الحيرة بالعراق عام 809 م وهو من قبائل العباد العربية وكان والده صيدلانياً لمس فى ولده رغبةً جامحة لتعلّم الطب فغادر حنين الحيرة الى بغداد طلباً للعلم وهو فى الخامسة عشرة من عمره وأكمل دراسته للطب تحت إشراف الطبيب يوحنا بن ماسويه ثم زار بلاد الشام ومصر والروم وفارس حيث أتقن اللغة اليونانية مما جعل الخليفة المأمون يعيّنه مديراً لبيت الحكمة الذى أنشئ ليكون مقراً للعلماء واختزنت فيه جميع المحفوظات اليونانية التى جمعها الخليفة المأمون من أماكن كثيرة فى امبراطوريته الشاسعة واستخدم فيها عددا كبيرا من شباب المترجمين لنقل الكتب الى العربية، وهكذا انتقل مركز الطب والعلوم والترجمة الى بغداد وصار بيت الحكمة أهم وأعظم معهد علمى وثقافى حيث ظلّ تأثيره حتى النصف الثانى من القرن الخامس عشر.
عُرف عن حنين بن اسحق أن ترجمته للكتب من الإغريقية إلى العربية لا تحتاج ابداً إلى تصحيح حتى لُقّب بشيخ المترجمين. ترجم خلال حياته 116 كتاباً منها 21 كتاباً فى الطب ولقد شاركه فى الترجمة ابنه اسحق وابن اخته حُبيش بن الأعسم وتلميذه عيسى بن يحيى وكان اميناً فى عمله حيث كان يحرص على ذكر المصادر التى اعتمد عليها فى مؤلفاته.
كافأه الخليفة المأمون على إنجازاته فى الترجمة فكان يعطيه من الذهب وزن ما ينقله من الكتب الى العربية ومن أشهر مؤلفات حنين بن اسحق كتاب ”العشر مقالات فى العين“؛ يُعدّ هذا الكتاب أقدم ما كُتب فى طب العيون بشكل منهجى تعليمى وبه أقدم صورة لتشريح العين، ويذكُر حنين فى مقدمته أن هذا الكتاب ثمرة خبرته فى طب العيون طوال ثلاثين سنة. ومن أهم إبداعاته فى هذا الكتاب وضعه للكثير من المصطلحات الفنية الطبية الخاصة بالعين باللغة العربية والتى ما زالت تُستعمل حتى الان مثل ”الشبكية“، ”الصلبة“، ”الملتحمة“ ، و”القرنية“ وبذلك يرجع له الفضل فى توحيد المصطلحات الطبية وخاصة فى مجال العين بعد ان كان مختلفا عليها بين المترجمين والمؤلفين فى زمانه.
بيّن هذا الكتاب خبرة حنين بن اسحق ليس فقط كطبيب ماهر ولكن ايضاً كجرّاح بارع ولقد أعاد المستشرق الفرنسى «ماكس مايرهوف» كتابة العشر مقالات فى العين وأهداه الى كلية الطب بجامعة القاهرة عام 1927م بمناسبة الاحتفال بمرور مائة عام على إنشائها وتناول فيها دراسة علوم الطب عند العرب وخاصة طب العيون. وبعد حياة حافلة بالإنجازات، توفى حنين بن اسحق عام 873م فى مدينة سامراء بالعراق بعد أن شارك فى تأسيس الطب الاسلامى الذى اصبح بعد ذلك اساساً لقيام النهضة الطبية الأوروبية الحديثة.