
حازم منير
مصر وإفريقيا
كان للراحل د.بطرس غالى بصيرة خاصة تجاه إفريقيا، وقال لى يوما أثناء حوار أجريته معه لصحيفة الأهرام المسائى تقريبا العام 2009، أن أى سياسى مصرى لا ينظر إلى إفريقيا ويضعها فى مكانها المناسب داخل جوانب وروافد الاستراتيجية المصرية لن ينجح ولن يحقق أهدافه.
مع اختلاف الأزمان والعصور والمفاهيم، أرسل والى مصر محمد على جنوده إلى أعالى النيل فى الجنوب، وعيا منه بأهمية النهر للدولة المصرية، واقتناعا منه بالبعد الأمنى القومى لإفريقيا تجاه مصر، كما كان إيمانه بالضبط بأهمية البوابة الشرقية فى الشام للأمن القومى للبلاد.
مسألة إفريقيا بالنسبة لمصر تتجاوز التحليلات والأحاديث السياسية فى الندوات أو على المقاهى، إلى مستويات أكثر عمقا، خصوصا أن تجربة الغياب عن إفريقيا لفترة طويلة من الزمان أتت نتائجها السلبية على مصالحنا وعلاقاتنا فى القارة السمراء، وأتاحت المجال واسعا لقوى معادية ليست بالقليلة فى التسرب إلى عمق مصالحنا والإضرار بها.
قناعاتى من البداية، أنه ليس مقبولا حديث «المصالح التاريخية» لمصر فى مياه النيل، فأحاديث التاريخ عند الأفارقة أحاديث استعمار واحتلال ونهب ثروات، وأفضل ما فعله السيد الرئيس عبدالفتاح السيسى استبعاده هذه اللغة، وإحلاله بديلا عنها لغة مصالح المستقبل المشتركة، دون تجاهل لحقوق أى طرف فى التنمية.
عودة مصر إلى إفريقيا بعد ثورة 30 يونيو، أعاد اكتشاف مصر لطريقها الصحيح نحو التنمية، نعم إفريقيا ليست القارة الثرية القادرة على استثمار أموالها خارج حدودها، لكنها القارة الثرية بالمستقبل، بثرواتها الطبيعية، وقواها الصاعدة، ونفوذها السياسى الذى تتصارع عليه أمريكا والصين وإيران وتركيا، وتلهث خلفه فى محاولة للفوز بالنصيب الأكبر فى هذه السوق الواعدة، وضمان المستقبل.
عودة مصر إلى إفريقيا حققت نتائج مهمة للغاية، فهناك دول تسعى إلى تحويل القارة لمنطقة نزاعات وسوق لأسلحة الدمار والهلاك، وهناك دول تتسلل إلى القارة السمراء لتضرب مصر فى فنائها الخلفى فى محاولة لإصابة مركز العرب بعطب، يخلق حالة من الفوضى وعدم الاستقرار، نحن أمام محورين أساسيين حققا المصلحة العامة لكل الأطراف.
التنمية فى إفريقيا شعارا حل بديلا عن الصراعات المسلحة والأزمات، وهو السبيل الملائم والهدف الأسمى الذى تسعى له مصر على مستواها المحلى وبين شركائها الإقليميين، وبالتالى فإن التفاعلات المشتركة تتيح لمصر دورا مهما.
الجولة التى سيبدأها السيد الرئيس عبدالفتاح السيسى، ضمن جولات متتالية وزيارات متعددة لدول القارة المختلفة، دون تمييز لمصلحة وطنية على حساب مصالح القارة، هى من الزيارات التى تكرس وتُعزز قيم ومفاهيم العمل المشترك والمصالح الواحدة.
مصر لعبت دورا تاريخيا فى مرحلة تحرر إفريقيا الشابة من الاستعمار، وكانت صاحبة الكلمة الأبرز بمبادئها وسياستها تجاه أشقائها، ومصر الآن تلعب دورا تاريخيا لمستقبل القارة بترسيخ مفاهيم التعاون والبناء والتنمية المشتركة، وجولات السيد الرئيس بين بلدان إفريقيا تحقق الأهداف الاستراتيجية لكل الأطراف وتنهض بالقارة للأمام.
رحم الله د.بطرس غالى صاحب مقولة «أى سياسى مصرى لا ينظر إلى إفريقيا ويضعها فى مكانها المناسب داخل جوانب وروافد الاستراتيجية المصرية لن ينجح ولن يحقق أهدافه»