
أ.د. رضا عوض
البيرونى (1048-973)
من أكبر عظماء علماء الإسلام ومن أكابر علماء العالم كما عرفه جورج سارتون فى كتابه (تاريخ العلوم) وكما وصفه المستشرق الألمانى سخاو بقوله: «أعظم عقلية علمية عرفها التاريخ». كان رحالا وفيلسوفا ورياضيا وفلكيا وجغرافيا وصيدلانيا وعالما موسوعيا.
هو أبو الريحان محمد بن أحمد البيرونى ولد فى 4سبتمبر عام 973م فى مدينة كاث عاصمة خوارزم والتى تقع حاليا فى أوزبكستان وكانت مدينة خوارزم مركزا عظيما من مراكز الثقافة الإسلامية ازدادت شهرتها بعد انهيار الخلافة الإسلامية فى بغداد.
مال البيرونى منذ وقت مبكر الى دراسة الرياضيات والفلك والجغرافيا وشغف بتعلم اللغات فكان يتقن الفارسية والعربية والسريانية واليونانية والهندية.
وتلقى العلم على يد أبى نصر منصور بن على بن عراق أحد أمراء أسرة بنى عراق الحاكمة لخوارزم وكان عالما مشهورا فى الرياضيات والفلك كما اكتسب دراية كبيرة بالعلوم الهندسية والفلك وحساب المثلثات من أبى الوفاء العالم الفلكى الشهير وصاحب مرصد بغداد. انتقل البيرونى الى جرجان عام 998م والتحق ببلاط السلطان قابوس بن وشكير الملقب بشمس المعالى وكان محبا للعلم ويحفل بلاطه بجهابذة العلم وأساطين المعرفة وتزخر مكتبته بنفائس الكتب وهناك التقى مع العالم الكبير «ابن سينا» وناظره والطبيب الفلكى المشهور أبى سهل عيسى بن يحيى النصرانى وتتلمذ على يديه وشاركه فى بحوثه وتم بناء مرصد فلكى ليستعمله فى رصد الأجرام السماوية وفى أثناء ذلك أنجز أول مؤلفاته الكبرى «الأثار الباقية من القرون الخالية» وهو كتاب فى التاريخ العام يتناول التواريخ والتقويم التى كانت تستخدمها العرب قبل الإسلام واليهود والروم والهنود ويبين تواريخ الملوك من عهد سيدنا آدم حتى وقته وفيه جداول تفصيلية للأشهر الفارسية والعربية والعبرية والرومية والهندية ويبين استخراج التواريخ بعضها من بعض. التحق البيرونى بعد ذلك بمجلس العلوم الذى أقامه مأمون بن مأمون أمير خوارزم الجديد وكان يزامله فى هذا المجمع العلمى العالم الكبير ابن سينا والمؤرخ والفيلسوف ابن مسكويه .. ثم رافق السلطان الجديد محمود الغرونى فى فتوحاته الظاهرة فى بلاد الهند وقد هيأ له ذلك أن يحيط بعلوم الهند حيث عكف على دراسة لغتها واختلط مع علمائها، ووقف على ما عندهم من العلم والمعرفة واطلع على كتبهم فى العلوم والرياضيات، ودرس جغرافيا الهند من سهول ووديان وجبال اضافة الى عاداتها وتقاليدها ومعتقداتها المختلفة ودون ذلك كله فى كتابه الكبير المعجزه «الطائر الصيت» المعروف بـ«كتاب الهند» ويصف المستشرق (روزن) هذا الكتاب بأنه «أثر فريد فى بابه لا مثيل له فى الأدب العلمى القديم أو الوسيط سواء فى الغرب أم فى الشرق. بعد تولى السلطان مسعود بن محمود الغزونى الحكم خلفا لأبيه قرب اليه البيرونى وأحاطه بما يستحق من مكانه وتقدير حتى إنه عندما كتب موسوعته النفيسة فى علم الفلك أطلق عليها «القانون المسعودى فى الحياة والنجوم» وأهداها الى السلطان مسعود الذى أعجب بهذا العمل فبعث اليه بمكافأة عبارة عن حمل فيل من القطع الفضية غير أن البيرونى اعتذر عن قبول المكافأة وأوضح أنه يخدم العلم فقط وليس من أجل المال.