الجمعة 26 يوليو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
التعديلات الدستورية.. ومبدأ الأمان التشريعى

التعديلات الدستورية.. ومبدأ الأمان التشريعى






يُسدِل مجلس النواب اليوم الستار حول مقترحات تعديل بعض مواد الدستور الحالى إعمالا لصلاحياته الدستورية، ذلك أن الدستور هو الأساس الذى تقوم عليه دولة القانون وقمة هرم التدرج التشريعى، ومن المبادئ الدستورية المستقرة فى الأعراف التشريعية الدولية مبدأ (الأمان التشريعى) وهو الذى يوازن بين الثبات التشريعى من ناحية، والتغييرات المجتمعية الطارئة التى تمر بها الشعوب من ناحية أخرى، وبهذا المبدأ تترسخ دولة القانون نصًا وعملا.  
وقد صدر الدستور المصرى القائم فى 18 يناير 2014 بوصفه الاستحقاق الأول لثورة 30 يونيو2013 المجيدة، وقد شارك فى إعداده نخبة من شتى ألوان وأطياف المجتمع المصرى من خلال لجنتى العشرة والخمسين، وبلغت نصوص هذا الدستور 247 مادة، موزعة على ستة أبواب، ومع التسليم بما لهذا الدستور من مزايا ومحاسن جمة ولاشك، وأنه – وكما كتبتُ وكررتُ مرارا - يعد وثيقة دستورية عالمية – وبالدليل العملى فقد قمتُ - ومنذ الإعداد لهذا الدستور - بإطلاق حملات توعوية واسعة على مستوى مختلف فئات وأعمار الشعب المصرى كان عنوانها (معًا.. نصنع تشريعاتنا)، وبعد إقرار الدستور (الحملة الوطنية للوعى الدستور) و(الدستور للجميع)  ومؤخرا (مبادرة الوعى بالدستور لشباب مصر)، شارك فيها رموز المصريين من المفكرين والمثقفين والكتاب والقضاة والسفراء والوزراء والمسئولين والبرلمانيين والإعلاميين والفنانين وآلاف من فتيات وشباب مصر الواعد، وأكدت تلك الفعاليات أن الدستور هو رأس أولويات الدولة المصرية.
بيد أنه، وإزاء المتغيرات المتلاحقة - داخليًا وإقليميًا ودوليًا - التى تتتابع على مختلف الأصعدة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، وكطبيعة أى عمل بشرى،  فإن هذا الدستور – فى اعتقادى – كان بحاجة ملحة وحالة وضرورية لمراجعة كثير من نصوصه حذفًا وتعديلا وإضافة، ومن ثم، حسناً فعل مجلس النواب الحالى باقتراح تعديل وإضافة عدد من مواد الدستور، وقد لا أجاوز الحقيقة بأن هذا الدستور كان يتعين إعادة هيكلته وتنظيمه كليًا، وفقًا لواقع الحال، وما أثبتته وأكدته وأفرزته التطبيقات العملية لكثير من نصوصه خلال نيف وخمسة أعوام مضت، وقد تبدو بعض ملامح عوار الدستور الحالى، فى أن هناك فرقًا جوهريًا بين النصوص الثابتة فى جميع الدساتير وهى المتعلقة بضمان الحقوق والحريات العامة للمواطنين، وصياغة العلاقة التعاقدية بين الحاكم والمحكومين على نحو ينتصر لمبدأ أن الشعب مصدر السلطات، وبين تلك النصوص المتغيرة وفق النظام السياسى لكل دولة فيما إذا كان برلمانيا صرفًا أو رئاسيًا خالصًا أو يمزج بين هذا وذاك مع ترجيح أحدهما على الآخر، ومنها على سبيل المثال ؛ توزيع السلطات بين رئيس الدولة والحكومة والبرلمان، وهل البرلمان غرفة واحدة أم غرفتان (مجلس نواب ومجلس شيوخ مثلا)، وطريقة تشكيل الحكومة، واختصاصاتها، والمغايرة – غير المبررة أحيانا – بين مدد رئاسة الجمهورية والبرلمان، وكذلك تفصيل الجهات والهيئات القضائية والأجهزة الرقابية والمجالس والهيئات الإعلامية وإلزام مجلس النواب بإصدار قوانين معينة خلال فترة زمنية محددة، وعدم تحديد جهة ما مسئولة عن تنفيذ نصوص الدستور!!
وبقراءة فاحصة مدققة لتلك التعديلات الدستورية (المقترحة حتى يقول الشعب كلمته فيها)، نجد أنها تنهض على فلسفة تشريعية واضحة ومحددة وهادفة وهى تجاوبها مع تلك المتغيرات، ودون التعمق فى تفصيلاتها التى تقوم مختلف المنصات القانونية والإعلامية بتفنيدها ومتابعتها، فإن ما يعنينى – كمتخصص فى فكرة الوعى بالقانون – هو التأكيد على أن هذه التعديلات الدستورية (وللمرة الأولى فى تاريخ مصر) جاءت بمبادرة من أغلبية نواب الشعب، ومن ثم تعد مرآة عاكسة واستجابة محمودة لتطور هذا الوعى فى ضمير الشعب والذى انتخب نوابه للتعبير عن آماله وآلامه، بخلاف تجارب التعديلات الدستورية السابقة لدستور 1971 مثلا التى كانت بمبادرة من رئيس الجمهورية حينها.
صفوة القول إن التعديلات الدستورية الجارية تجسد – وبحق – سلطة نواب البرلمان فى اقتراحها، ومناقشتها، واستطلاع الرأى بشأنها، على نحوما أفرد له البرلمان جلسات استماع لمختلف فئات وتخصصات الشعب.
وبالقانون تحيا مصر