
أ.د. رضا عوض
ابن طفيل
هو محمد بن عبد الملك بن محمد بن طفيل القيسى الأندلسى أبوبكر والمعروف باسم (Abubacer) وهو تحريف لأبى بكر، ولد بمدينة (وادى أش) على بعد 40 ميلاً فى الشمال الغربى لغرناطة، درس الفلسفة والطب فى غرناطة ويعتبر من أعظم فلاسفة الأندلس ورياضيها وأطبائها وشعرائها كما درس على يد ابن باجه، وقد تقلب ابن طفيل فى مناصب عدة، فاشتغل فى البداية كاتباً فى ديوان والى غرناطة ثم فى ديوان الأمير أبى سعيد بن عبد المؤمن حاكم طنجة، ثم أصبح وزيرًا وطبيبًا للسلطان الموحدى «أبى يعقوب بن يوسف» ويُقال إن ابن طفيل كان له تأثير كبير على الخليفة، وقد استغل ذلك فى جلب العلماء إلى البلاط ونذكر منهم بصفة خاصة الفيلسوف والطبيب ابن رشد الذى قدمه ابن طفيل عندما تقدم به السن إلى السلطان ليقوم بشرح كتب الفلسفة وليخلفه فى عمله كطبيب، وقد ظل ابن طفيل فى بلاط السلطان الى أن توفى بمراكش عام 1185م عن 87 عامًا وحضر السلطان جنازته.
أما عن إسهاماته فى الطب فقد ذكر لسان الدين بن الخطيب أن ابن طفيل ألف فى الطب كتابًا فى مجلدين, كما ذكر ابن أبى أصيبعة أنه كان بين ابن طفيل وابن رشد مراجعات ومباحث فى رسم الدواء جمعها ابن رشد فى كتابه «الكليات»، كما كانت لابن طفيل أرجوزة فى الطب تتألف من 7700 بيت وهى الآن توجد فى خزانة جامع القرويين بفاس بالمملكة المغربية، وله أيضًا «رسالة فى النفس» فى الفلسفة.
أما عن إسهاماته فى الفلك فيقول الباحث الفرنسى ليون غوتيه فى كتابه عن ابن طفيل: إنه أوجد نظامًا فلكيًا ومبادئ لحركاته غير تلك المبادئ التى وضعها بطليموس، ويتساءل الباحث عن احتمال أن تكون فرضيات ابن طفيل تشتمل على بعض العناصر الأساسية من الإصلاح الفلكى العظيم الذى جاء به كوبر نيك وجاليليو بعد أربعة قرون, ولقد ذكر البطروحى عالم الفلك الكبير أنه أخذ عن ابن طفيل قوله فى الدوائر الداخلية فى حركات الأفلاك.
من أشهر ماترك ابن طفيل هى قصة «حى بن يقظان»، وقد صور ابن طفيل الإنسان الذى هو رمز العقل فى صورة حى بن يقظان و(يقظان) هو الله تعالى. والقصة باختصار هى أن حيًا نشأ فى جزيرة معزولة فى حضن ظبية قامت على تربيته وتأمين الغذاء له من لبنها وتدرج فى المشى وأخذ يحكى أصوات الظباء ويقلد أصوات الطيور ويهتدى إلى مثل أفعال الحيوانات بتقليد غرائزها وتعايش بينها وبينه حتى كبر وترعرع واستطاع بالملاحظة والفكر والتأمل أن يحصل على غرائزه الإنسانية، واهتدى إلى وجود خالق واحد بالفطرة وبالعقل وبدون أى تواصل مع أى آدميّ آخر, واهتدى إلى عدم التشبه بالحيوانات فى اهتمامها بالأكل والشرب والتكاثر فقط, بل استطاع أن يهتدى إلى عالم آخر روحانى يكون هو فيه بحضرة الله منعزلاً عما حوله من ماديات, ويتضح هنا تأثير الصوفية والفلسفة الإشراقية فى فكر ابن طفيل. وقد عرفت هذه القصة فى الغرب منذ القرن السابع عشر، وتُرجمت إلى عدة لغات منها اللاتينية والعبرية والإنجليزية والفرنسية والألمانية والهولندية، وتعرف أيضًا باسم «أسرار الحكمة الإشراقية».