الأحد 21 يوليو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
«روزاليوسف اليومية» ومعركة البقاء!

«روزاليوسف اليومية» ومعركة البقاء!






فى ظروف بالغة الصعوبة تولى «عبدالرحمن بك فهمى» رئاسة تحرير جريدة «روزاليوسف» اليومية ابتداء من 11 يناير سنة 1936، وكان أقصى وأقسى تلك الظروف هو الأزمة المالية الطاحنة التى واجهتها السيدة «روزاليوسف» حيث بلغت ديونها ستة وعشرين ألف جنيه ـ ديون الجريدة ـ وستة آلاف جنيه لتجار الورق وألفي جنيه لبنك مصر إلى جانب استقالة عدد كبير من محررى الجريدة!
وتعترف «روزاليوسف»: وقد اقترضت إلى أقصى ما أستطيع وبدأت أبيع ما أملك من مصوغات يومًا بعد يوم لأدفع ثمن الورق والطباعة» ولست أنسى تلك الليلة الكئيبة يوم ذهبت موزعة القلب لأرهن آخر قطعة بقيت لى من المصوغات، سوار ورثته عن «أمى» وصحبنى وكأنه يجلب لى الحظ، فى كل ما سبق من أيام، ولكننى لم أجد بدا من أن أرهنه، أن أجعله بدوره وقودًا فى هذه المعركة الرهيبة، وقد تحملت ألم التخلى عنه لأرى الآلات تدور وأعداد «روزاليوسف» تخرج إلى النور!
وإزاء هذه الأزمات المتوالية رأيت أن أصرف همى فى إصدار الجريدة إلى مجرد الاحتفاظ بالرخصة حتى تلتئم الجراح وأعبر المحنة مؤمنة بأن اليوم سيجئ يوم تستعيد «روزاليوسف اليومية» قوتها وتتوقف مقاومة الوفد لها ويعود إليها عصرها الذهبى!
وكان أول واجب عليّ فى هذا السبيل هو أن أعمل على تخفيض المصروفات كما يصنع وزراء المالية فى هذه الأيام ونظرت فرأيت أننى أستاجر لمطبعة المجلة الأسبوعية مكانًا فى شارع «قولة» و لعملية الجمع مكانًا آخر فى شارع أبى السباع وللإدارة مكانًا ثالثًا فى شارع الساحة، فقررت أن أجمع هذه الفروع كلها فى مقر واحد، وأستأجرت مبنى ضخمًا من ثلاثة أدوار وفناء واسعا فى شارع الفلكى، جمعت فيه كل فروع الإدارة والمطبعة واخترت فى الدور الثالث من المبنى جانبًا اتخذته سكنًا خاصًا لى، وبدأت أشرف على إدارة هذه المملكة الصغيرة المجاهدة كى تستطيع أن تمضى!.
ولكن «الوفد» لم تخف عليه محنتى المالية ورآنى مصممة على البقاء فأراد أن يجهز عليّ، وبدأت أتلقى سيلا من الحجوزات من أصحاب الديون، من أصغر عمال المطبعة إلى أكبر تجار الورق أو المحررين!
وقد كان عليّ أن أتلقى كل يوم ـ وبغير مبالغة ـ عشرات الحجوزات قد لا أعرف لها صاحبًا ولا أجد لها سندًا، وكلها تتطور إلى قضايا ومنازعات لا آخر لها.. وفى هذه الدوامة من القضايا والمشاكسات كان عليّ أن أمضى وأن أجد وقتًا وعقلاً وأعصابًا أدفع بها عجلات الجريدة والمجلة وأثبت للخصوم والمنافسين والشامتين أننى قد أتلقى كل ما يخطر على البال من ضربات ولكننى لا أتوقف !»
وتتذكر «روزاليوسف» قصة أحد المحررين الذى كان يعمل فى الجريدة ورفع قضية عليها يطالب فيها بستة جنيهات والحجز على مطابع المجلة والورق بل بالحجز على ملابسها الداخلية! وجاء المحُضر بالفعل لتنفيذ ذلك وتقول «روزاليوسف»:
كان يجلس معى الصديق أحمد حسن وقال المحضر إنه جاء يحجز على شقتى وعجبت وقلت له إن أمامه المطبعة ولكنه أصر على أن يحجز على الشقة وفقدت أعصابى ودفعته بيدى دفعة قوية ألقت به على السلم بضع درجات لولا أن أدركه أحمد حسن وطلب المحضر الطيب أن ينتحى به جانبًا ثم همس له بالحقيقة المؤلمة وهو الحجز على ملابسى الداخلية بالذات وقال له: لقد كنت أريد أن أجنب السيدة أن تعرف ذلك، وأتظاهر بالحجز على بعض الأثاث! وقال إنه من قراء «روزاليوسف» القدامى وكم يحز فى نفسه أن يضطر للقيام بهذا الواجب الثقيل!
ونقل لى أحمد حسن «هذا الحديث، فتأثرت لنبل هذا الرجل الذى لا أعرفه وكيف أنه تحمل إهانتى له لكى يجنبنى أن أعرف حقيقية هذا الحجز، فلما عرفت اعتذرت له ودعوته للدخول وسجل فى محضره بعض الثياب دون أن يفتح دولابًا واحدًا لمجرد الشكل ثم انصرف».
وبطبيعة الحال فقد كان «عبدالرحمن بك فهمى» رئيس التحرير الجديد عارفًا بكل تلك المشاكل والصعوبات وبدأ فى ممارسة رئاسة التحرير!
وللحكاية بقية!