الجمعة 18 يوليو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
عيد العمال

عيد العمال






لم يتوقع عمال مدينة شيكاغوالأمريكية قبل 133 عاما أن إضرابهم الذى أطلقوه فى الأول من مايوعام 1886، سيتحول إلى يوم عالمى يحتفل به العمال فى كل دول  العالم من دون استثناء، كما لم يتوقع الشيوعيون والاشتراكيون الذين تحركوا ونظموا التظاهرات تضامنا مع عمال شيكاغو، أن هذه المناسبة لن تقف عند حدود أحزابهم أو بلدانهم، بل إنها امتدت لتعترف بها الدول الرأسمالية وتجعل منها يوم عيد رسمى.
من يقارن ظروف العمل فى القرنين السابع والثامن عشر وواقعنا الآن، يرصد مدى قوة التطور والإرادة الإنسانية فى فرض شروط عمل عادلة، جعلت من بيئة العمل أكثر إنسانية واحتراما، فمن شعار 8ساعات عمل و8 ساعات نوم و8 ساعات للراحة والاستمتاع، انتقلنا إلى دول تبحث تخفيض ساعات العمل لأقل من 6 ساعات يوميا، وإلى نظم إدارية جديدة جعلت من مكان العمل غير ذى أهمية، إذ يمكن أداء وظيفتك من منزلك، بعد أن فرض التطور التكنولوجى ظروفا جديدة ومناخا مختلفا وبيئة مغايرة تماما للعمل.
فى عيد العمال، أو عيد العمل، كما يطلق عليه البعض، يخرج العمال فى مسيرات ضخمة، تخليدا لذكرى اثنى عشر عاملا  قضوا فى مصادمات مع بوليس شيكاغو، حين خرج مئات الآلاف من العمال فى عشرات المدن احتجاجا على بيئة وظروف وقوانين العمل آنذاك، حتى تمكنوا من التوصل إلى توافق واتفاقات مع أصحاب الأعمال فرضت قدرا من الإنسانية على بيئة العمل، ظل هذا القدر يتطور يوما بعد يوم، حتى وصلنا إلى ما نحن عليه الآن.
السؤال الذى يفرض نفسه، هل توقع كارل ماركس مؤسس الشيوعية، وهويصيغ نظرية «فائض القيمة» أن مراكمة أصحاب الأعمال لثرواتهم بسبب استغلال العمال واستحواذ الرأسماليين على كل ربحية فائض قيمة العمل، أن هذه النظرية ستنهار مع التطور التكنولوجى وثورة المعلومات التى نعيشها الآن، وجعلت من العقل هوأساس الثروة وليس نظرية فائض القيمة.
كل النماذج على امتداد دول العالم، تقول: إن العقل هوالقادر الآن على تكوين الثرة ومراكمتها، وأن القدرة العقلية للشخص فى ابتكار جديد وبسيط كفيل بصناعة امبراطورية صناعية مذهلة ومراكمة ثروات أسطورية  غير متوقعة أو مُتخيلة.
اختراع الحاسب الآلى، أو الكمبيوتر، ومن بعده «الفارة» أو «الماوس» هذه الآلة البلاستيكية الصغير ضئيلة التكلفة، صنعت مؤسسات صناعية وامبراطوريات مالية، و«فلوبى ديسك» أو «الاسطوانات المدمجة» سى دى، كلها نتاج إبداع عقلى، ساهم فى  بناء شبكات صناعية أخطبوتية، ومراكمة ثروات، لم ترتبط من قريب أومن بعيد باستغلال أصحاب الأعمال للعمال، كما كان سائدا.
لا يعنى ذلك أبدا أن أشكال الاستغلال انتهت من العالم، أو أن نظرية «فائض القيمة» أو «فائض العمل» الماركسة المنشأ قد انتهت من الكون، لكنها كلها دلالات على أن البشرية فى طريقها إلى حالة مغايرة تماما، هذه الحالة حين تنتشر بين كل شعوب العالم، سيكون الواقع مغايرا، واعتقد وقتها سنتحدث عن اندثار واختفاء كل هذه المفاهيم.
لكن المؤكد أيضا أن العالم سيظل يحتفل بذكرى عيد العمال والذين سقطوا من أجل بيئة عمل أكثر عدلا.. فالعلم يُسقط نظريات، لكنه لا يُسقط التاريخ الإنسانى.