
أ.د. رضا عوض
ابن باجة
هو أبوبكر محمد بن يحيى بن الصائغ التجيبى فيلسوف الأندلس السرقسطى الشهير بابن باجة، فيلسوف وطبيب اشتهر فى القرنين الخامس والسادس الهجريين والثانى عشر الميلادى، وهو أول من أشاع العلوم الفلسفية فى الأندلس بغير نزاع، وُلد فى مدينة سرقسطة الأندلسية حيث قضى فيها مراحل طفولته الأولى، وفى شبابِه عمل ما يقرب من عشرين عاماً كاتباً ووزيراً لأبى إبراهيم بن تيفوليت المسوفى صهر على بن يوسف بن تاشفين و ذلك قبل أن يرحل إلى اشبيلية بعد سقوط سرقسطة بيد الفونسو الأول ملك أرغون عام 1116م حيث أقام بها زمناً ثم سافر الى غرناطة ومنها إلى المغرب فكان موضع الإجلال والإكبار لدى امراء المرابطين وامتاز بأنه جمع إلى جانب الفلسفة علوم الطب والرياضيات والفلك والطبيعيات والموسيقى وقد وضع علومه فى خدمة فلسفته لذا يعتبره الدارسون أول من أقام العلوم الفلسفية على أسس من العلوم الرياضية والطبيعية.
عَمد ابن باجة الى العودة بالفلسفة الى أصولها الأرسطية خالصة كما هى فى كتب أرسطو مبتعداً عن أفكار العرفان والأفلاطونية المحدثة فكان بذلك أحد أفراد تيار التجديدى الأندلسى حيث حاول فصل الأفكار العرفانية التى اختلطت كثيراً بالفكر الإسلامى والذى بدأ بمشروع ابن حزم الذى عهد إلى تأسيس منهج العودة إلى الأصول واستبعاد القياس فى الفقه واستأنف بعد ابن باجة ابن رشد الذى عمد الى فصل نظام البيان الفقهى عن نظام البرهان الفلسفى، بمصطلح آخر فصل الدين عن الفلسفة كأنظمة استنتاجية وربطها عن طريق الغايات والأهداف.
كان ابن باجة متوقّد الذكاء وذا سعة من الفكر وفاق أهل عصره فى الفلسفة والحكمة فهو يُمثّل فى الغرب المدرسة الأرسطوية الأفلاطونية الجديدة . كانت فلسفته فى الإنسان هى أن كل حى يشارك الجمادات فى أمور، وكل إنسان يشارك الحيوان فى أمور، لكن الإنسان يتميز عن الحيوان غير الناطق والجماد والنبات بالقوة الفكرية، ولا يكون إنساناً الا بها وعن فلسفته فى منازل الناس، فصنّفها إلى المرتبة الجمهورية وهؤلاء لا ينظرون إلا للمعقول، والمرتبة النظرية وهؤلاء ينظرون إلى الموضوعات أولاً وإلى المعقول ثانياً، أما مرتبة السعداء وهم الذين يرون الشىء بنفسه. ويمكن أن يطلق على فلسفة ابن باجة اسم «علم الإنسان» فقد كان جل ما تناوله فيها يبحث فى ميدان الإنسان، والفكرة الأساسية التى أضافها الى التراث الفلسفى هى ما يتصل باتحاد العقل الفعال بالإنسان.
تعاقبت اهتمامات ابن باجة العلمية، فتعلق بالموسيقى وتذوّقها كاستاذه الفارابى ثم مال إلى المنطق والفلسفة والطب والرياضيات والطبيعة والنفس. أما عن تراثه من الرسائل والكتب فقد ذكر ابن أبى اصبيعة منها فى كتابه «فى عيون الأنباء فى طبقات الأطباء» سبعة وعشرون رسالة منها رسالة الوداع التى وجهها الى تلميذه على ابن الإمام السرقسطى قبيل رحلته إلى الشرق وتحدث فيها عن غاية الوجود الإنسانى فى تجاوز حدود الفردية والاتحاد بالنفس الكونية ثم الاتصال بالله الذى لا يكون إلا بالعلم والفلسفة. لقد نشر هذا البحث المستشرق الإسبانى ميجيل اسين بالاثيوس مع ترجمة إسبانية عام 1943م بمدريد، كما أشار ابن طفيل العالم الأندلسى الكبير عام 1185م بعمق تفكير ابن باجة وذلك فى مقدمة كتابه الشهير «حى بن يقظان».