
أ.د. رضا عوض
ابن رشد
هو أبو الوليد محمد بن أحمد بن رشد عالم إسلامى وُلد فى مدينة قرطبة بالأندلس فى عام 1126م من أسرة عريقة ذى تاريخ عريق فى الأندلس، حيث كان جده أبو الوليد محمد قاضى القضاة فى مدينة قرطبة بالأندلس وكذلك والده أبوالقاسم أحمد اعتلى منصب قاضى القضاة حتى عام 1146م.
فى بداية حياته تعلم ابن رشد اللغة والحديث وحفظ القرآن ثم تعلّم على يد ابن طفيل مؤلف الكتاب المشهور «حى بنى يقظان»، وتعلّم الطب على يد أبى جعفر هارون وتعلم أيضاً على يد فيلسوف ووزير الأمير أبو يعقوب يوسف وهو الذى قدّمه إلى العالم الإسلامى ابن زهر الطبيب البارع والذى أصبح بعد ذلك معلم وأستاذ ابن رشد وصديقه، ويُرى تأثير ابن زهر فى تعليمه الطب وذلك فى الكتاب الذى ألفه ابن رشد «الكليات فى الطب» والذى تأثر بكتاب ابن زهر «التيسر فى المداواة والتدبير».
تتلمذ أيضاً ابن رشد على يد الفيلسوف الإسلامى الكبير ابن باجة والذى يُعتبر مع ابن رشد وابن طفيل عمالقة الفلسفة فى الدولة الأندلسية. وعلى الرغم من شهرة ابن رشد فى حقول الطب فإن شهرته تقوم على نتاجه الفلسفى الخصب وعلى الدور الذى مثله فى تطور الفكر العربى من جهة والفكر اللاتينى من جهة أخرى.
تولى ابن رشد منصب القضاء فى أشبيلية، وأقبل على تفسير آثار أرسطو تلبيةً لرغبة الخليفة الموحدى أبى يعقوب يوسف، وكان قد وصل فى خدمته بواسطة الفيلسوف ابن الطفيل كطبيبهِ الخاص، ثم عاد إلى قرطبة حيث تولى منصب قاضى القضاة. وبعد ذلك بنحو عشر سنوات اُلحق بالبلاط المراكشى كطبيب الخليفة الخاص، ولما تولى المنصور أبو يوسف يعقوب الخلافة بعد أبيه، لقى ابن رشد على يديه حظوةٍ وإكراما، إلا أن الوشاة مازالوا بالمنصور حتى أثاروا حفيظته عليه فأمر بإحراق كتبه وسائر كتب الفلسفة وحَظَرَ عليه الاشتغال بالفلسفة والعلوم جملةً ماعدا الطب والفلك والحساب، ونُفى ابن رشد إلا أن الخليفة ما لبث أن رضى عنه وأعاده الى سابق منزلته، وتوفى ابن رشد فى مراكش فى أول دولة الناصر خليفة المنصور فى 10 ديسمبر عام 1198م.
قدّم ابن رشد للتراث البشرى مؤلفات كثيرة تقدر بحوالى عشرين ألف صفحة فى علوم الطب والفلسفة الإسلامية والرياضيات والفلك والشريعة والفقه فهى تقدر بحوالى 67 كتاباً، 28 فى الفلسفة و 20 كتاباً فى الطب، وفى مجال الطب كتب ابن رشد موسوعة طبية باسم «الكليات فى الطب» وكتاب «تعليق على كتاب قانون الطب لابن سينا». تُرجمت كتب ابن رشد إلى العبرية عام 1200م بواسطة يعقوب أناطولى والتى تُرجمت بعد ذلك من العبرية إلى اللاتينية بواسطة «جالوب مانتينو»، وبعض الكتب تُرجمت رأساً من العربية إلى اللاتينية بواسطة «مايكل سكوت». تُعتبر موسوعة ابن رشد «الكليات فى الطب» مرجعاً مهماً لعلم الفسيولوجى والباثولوجى والتشخيص والطب الوقائى وعلم الأدوية، ولقد أضاف إلى فسيولوجية العين وأقرّ بأن النظر هو وظيفة شبكية العين.
كان ابن رشد من الأوائل الذين قاموا بتشخيص الضعف الجنسى ووصف الدواء لهذه المشكلة بالفم والدواء الموضعى أو خلال مجرى البول، كما كان أول من وصف مرض باركنسون بدقة وكان عالماً كبيراً فى علم النفس وأضاف الكثير إلى هذا العلم، قال عنه جورج سارتون أبو تاريخ العلوم «كان ابن رشد عظيماً جداً فلقد أضاف إلى الفلسفة والطب وعلم النفس إضافات أثرت على البشرية حتى نهاية القرن السادس عشر».