
محمد صلاح
يوم القيامة.. ودبلوماسية الهواتف
كل الشواهد تؤكد أن المنطقة على أعتاب يوم القيامة، وأبواب جهنم التى تلتهم الأخضر واليابس.. فطبول الحرب يعلو صداها فوق مياه الخليج.. ويقترب العالم من حرب ثالثة، تنهى حياة ملايين البشر، وتعيد رسم خريطة الشرق الأوسط، وسيكون لها أبعاد اقتصادية خطيرة.
فى هذه المرة، الحشود العسكرية تجاوزت مرحلة التهديد، واستعراض القوة، فالترسانة العسكرية الأمريكية اتخذت مواقعها الاستراتيجية فى مياه الخليج، حاملة الطائرات « إبراهام لنكولن» وعلى متنها 50 طائرة من أحدث الطرازات الحربية، و6 آلاف عسكرى، وقاذفات «بى – 52» تمركزت فى قاعدة «العديد» بقطر، وثالث أكبر سفينة حربية وعلى متنها قوات من « المارينز» وعربات برمائية، وقوارب إنزال، ومروحيات وصواريخ دفاعية من طراز « باتريوت»، وسفينة المستشفى الحربى البحرى الذى يحتوى على مستشفى ميدانى مجهز تجهيزا كاملا ويتسع لـ 1000 سرير، ويقدم خدمات طبية متكاملة، وتهديد وزير الدفاع الأمريكى بإرسال 120 ألف جندى لاجتياح إيران بريا.
إيران من جانبها، أعلنت التحدى ، ورفعت حالة التعبئة القصوى، ونشرت صواريخ قصيرة المدى على قوارب فى مياه الخليج، قادرة على قصف الأهداف الأمريكية، ولم تكتف بذلك، بل تحرش وكلاؤها بسفن تجارية سعودية وإماراتية فى خليج عمان، قرب ميناء الفجيرة بالإمارات، الذى يعد أحد أكبر مراكز تزويد السفن بالوقود، بل هددت بغلق مضيق هرمز الذى يمر منه ثلث صادرات النفط والغاز للأسواق العالمية.
ورغم استعراض القوة، والتنوع الكبير فى الآليات العسكرية، والاستفزازات من الجانبين، إلا أننى مازلت على يقين بأن ما يحدث لا يعدو كونه « تهويش»، ودراما سوداء تتكرر مرة كل عدة سنوات، كان آخرها فى عهد الرئيس السابق باراك أوباما، فضرب إيران ليس بالأمر السهل، ويختلف عما حدث فى غزو العراق عام 2003، ولن يحدث إلا إذا أقدمت طهران بعمل أحمق، فما زال كل طرف يتمسك بـ» شعرة معاوية»، ويحافظ على « الزواج الكاثوليكى» الذى تم تدوينه فى عهد الشاه، وتطور مع نظام الملالى، وحققت واشنطن وطهران أهدافهما الاستراتيجية من هذا الرباط المقدس، وبدت ملامحه فى فضيحة « إيران جيت» وتزويد « الخمينى» بصفقة أسلحة سرية ودعمها فى حربها مع العراق، فى المقابل نجحت واشنطن فى ابتزاز الدول النفطية بزعم حمايتها من الخطر الشيعى.
وإذا كانت المنطقة العربية تعيش على مدار 40 عاما، حالة العداء الوهمى بين أمريكا وإيران، فإن ترامب يتعامل بعقلية التاجر، ولن يتورط فى مغامرة عسكرية خارجية طويلة، قد يخرج بسببها من البيت الأبيض، فى انتخابات 2020، حيث سيفقد مصداقيته أمام الرأى العام، خصوصا أنه سبق وقرر سحب قواته من منطقة الشرق الأوسط، فالحرب ستكون لها تكاليف باهظة ماديا وبشريا، وستكون بلاده والدول الصناعية الكبرى الخاسر الأكبر بعدما يقفز سعر برميل النفط إلى 300 دولار.
ترامب يسعى إلى ابتزاز دول الخليج أولا، ثم كبح جماح طهران، من خلال التهديدات العسكرية، والحظر الاقتصادى، وبث اليأس والإحباط بين الشعب الإيراني، بهدف زعزعة الاستقرار، وتفكيك نظام الملالى.
ترامب، سبق وأعلن أنه لا يريد حربا، ويمد يده للتفاوض، واخترع دبلوماسية « رنين الهواتف»، حيث سرب إلى طهران رقم هاتف عبر سويسرا، ومازال كل طرف ينتظر « رنين الهاتف»، لعقد المفاوضات المباشرة بين ترامب وروحانى، على غرار ما حدث بين أمريكا وكوريا الشمالية.
لدى يقين كبير بأن جلسات المفاوضات السرية، داخل الغرف المغلقة، تسير جنبا إلى جنب مع صدى طبول الحرب، وقطر التى تربطها علاقات وطيدة مع واشنطن وطهران، تدير تلك المفاوضات بدلا من سلطنة عمان التى سبق لها أن استضافت مفاوضات سرية بين إدارة أوباما وإيران وأسفر عن الاتفاق النووى 5+1، الذى تخلت عنه إدارة ترامب بعد عامين من توقيعه فى عام 2015.
فى الغرف المغلقة وتحت صدى طبول الحرب التى لا يريدها الطرفان، ستفرض أمريكا شروطها بإعادة صياغة للاتفاق النووي، ووقف تطوير الصواريخ الباليستية الحاملة للرؤوس النووية، والامتناع عن دعم حركة حماس وحزب الله وأذرعها فى العراق وسوريا واليمن، وألا تحرك أذرعها المسلحة ضد ما يسمى بـ « صفقة القرن».