
أ.د. رضا عوض
ابن البيطار «رائد علم النبات وشيخ الصيادلة»
هو أبومحمد ضياء الدين عبدالله بن أحمد ابن البيطار ضياء الدين المالقى الأندلسى، وُلد فى أواخر القرن الثانى عشر الميلادى بقرية سالمدينا وهى قرية لمدينة ملقة الأندلسية ولقب بابن البيطار نسبةً إلى والده الذى كان يعمل طبيباً بيطرياً.. يُعتبر ابن البيطار خبيراً فى علم النباتات والطب والصيدلة، وأعظم عالم نباتى ظهر فى القرون الوسطى وساهم إسهامات عظيمة فى مجالات الصيدلة والطب.. تلقى تعليمه على يد أبى العباس النباتى الأندلسى الذى كان يجمع النباتات فى منطقة أشبيلية بالأندلس ويقوم بدراستها وتصنيفها وعمل التجارب عليها لبيان خواصها ثم استعمالها فى علاج الأمراض المختلفة.
كان ابن البيطار تواقاً للعلم دائماً فرحل فى بداية العشرينيات من عمره لطلبه متحملاً المشاق فى سبيل ذلك، فسافر إلى المغرب ومراكش والجزائر وتونس وبلاد اليونان والروم ثم تابع جولاته متنقلاً إلى آسيا الصغرى مارا بأنطاكية ومنها إلى سوريا ثم إلى الحجاز وغزة والقدس وبيروت ومصر حيث قام بجمع عدد كبير من الأعشاب واجتمع مع علماء تلك البلاد فتدارس معهم أنواع النبات وخواصه وفوائده ثم دوّن كل اكتشافاته ورتب أسماء النباتات بحسب الحروف الأبجدية وهكذا ساعد هذا التصنيف على تحويل موسوعته إلى مرجع وأصبحت نموذجاً لأسلوب الكتابة الأكاديمية حتى يومنا هذا.
بعد أن استقر به الحال فى مصر وعمل فى خدمة الملك الأيوبى الكامل الذى عيّنه رئيساً على سائر العشابين (نقيباً للصيادلة)، وكان يَعتمد عليه فى وصف الأدوية المفردة والحشائش فى علاج الحالات المرضية له ولأسرته وبعد وفاة الملك الكامل خدم ابنه الملك الصالح نجم الدين بدمشق وفى دمشق كان ابن البيطار يقوم بجولات فى مناطق الشام والأناضول للتدريس لطلبة الطب ولجمع الأعشاب ودراستها، وفى هذه الفترة اتصل به ابن أبى أصيبعه صاحب كتاب «طبقات الأطباء» فشاهد معه كثيراً من النباتات فى أماكنها بدمشق والأماكن المحيطة بها.. وكان لابن البيطار قوة ذاكرة عجيبة وقد أعانته ذاكرته القوية على تصنيف الأدوية التى قرأ عنها واستخلص من النباتات العقاقير المتنوعة فلم يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا طبقها بعد تحقيقات طويلة.
ألّف ابن البيطار فى مجال النبات والصيدلة كثيراً من المؤلفات ويعد كتابه «الجامع لمفردات الأدوية والأغذية» ويعرف أيضًا بمفردات ابن البيطار من أنفس الكتب فى علم النبات والصيدلة ولقد أسماه ابن أبى أصيبعة «كتاب الجامع فى الأدوية المفردة» وهى مجموعة من العلاجات البسيطة المستمدة من عناصر الطبيعة، ويحتوى على وصف تفصيلى ودقيق لعدد 1400 نبات ودواء منهم 300 من اكتشاف ابن البيطار ومن الأدوية المكتشفة أحد أوائل الأدوية العشبية المداوية لمرض السرطان وهى عشبة (الهندباء) والتى أثبتت فائدتها ونجاحها فى علاج السرطان حتى اليوم. ولقد تُرجم هذا الكتاب الى اللاتينية عام1758 م وطبع عدة مرات واستعمل فى أوروبا كمرجع رئيسى حتى القرن التاسع عشر واستعمل أيضا فى تكوين أول صيدلية إنجليزية أعدّتها كلية الطب فى عهد جيمس الأول.. ومن كتبه الأخرى كتاب المغنى فى الأدوية المفردة يتناول فيه الأعضاء للجسم كل على حدة، ويذكر طريقة معالجة عللها بالعقاقير ومن مؤلفاته أيضا «كتاب الأفعال الغريبة والخواص العجيبة» وكتاب «الإبانة والإعلام على ما فى المنهاج من الخلل والأوهام».
يقول ماكس مايرهوف «أن ابن البيطار هو أعظم كاتب عربى ظهر فى علم النبات والصيدلة..» ويقول المستشرق روسكا عن كتاب الجامع «أن كتاب الجامع كان له أثره البالغ فى أوروبا وكان من أهم العوامل فى تقدم علم النبات عند الغربيين»، كما قال عنه تلميذ من تلاميذه «رأيت من حسن عشرته وكمال مروءته وكرم نفسه مايفوق الوصف، ووجدت عنده ذكاءً وفطنةً ودراية».
بعد حياة حافلة بالإنجازات والتى كان لها أكبر الأثر فى الحضارة الإسلامية ثم الحضارة الأوروبية بعد ذلك، تُوفى ابن البيطار فى دمشق عام1248 م، وتخليداً لذكراه وضع له تمثالاً فى مدينة ملقه بإسبانيا مسقط رأسه شاهداً على إسهاماته فى الحضارة الإنسانية.
أستاذ الروماتيزم -كلية طب الأزهر