
رشدي أباظة
ليالى رمضان المصرية
انظر إلى شهر رمضان وتأمل أوامره ونواهية الإلهية قبل أن يتم تمصيره؟
و«التمصير» المقصود هنا أى قبل أن تدخل عليه «الثقافة المصرية» تحديدًا ودونًا عن جميع البلاد المسلمة فى العالم كله!
كان «رمضان» قبل أن تدخل عليه «الثقافة المصرية» شهرًا مرهقًا فى العبادة.
شاقًا صحيًا. ويخلو من أى إغراء.
وأيضا يخلو من أى طقوس تجعل منه شهر فرحة يستقبله الناس ببهجة وسعادة كما هو الحال الآن.
لو نظرت إليه ستجد أن عبادته شاقة خاصة فى شهر الصيف.
ستجد أن التكليف به كشهر فريضة يئن منه الأطفال والعجائز ولا تجد بداخل أيامه سوى التمنى بسرعة مروره.
كل ذلك قبل أن يدخل المصريون على شهر رمضان فيحولوه إلى شهر مبهج كله سعادة.
انظر ماذا فعلت الثقافة المصرية به:
١- أول من فرحوا به وغنوا له ودبجوا الابتهالات والأناشيد شوقًا بقدومه، وفرحًا بوجوده وحزنًا على مغادرته.
فكانت أغنية الراحل محمد عبدالمطلب «رمضان جانا» بمثابة النشيد الوطنى لرمضان فى العالم العربى والإسلامى كله.
بقى أن نعرف أن مصر أغرقت رمضان بالأغانى منذ مئات السنين وتحتفظ الإذاعة بما لا يقل عن ٥٠٠ أغنية منذ ما لايقل عن ١٠٠ سنة.
٢- صنعت مصر زينة رمضان حتى صارت أيقونة تمتلئ بها الشوارع والميادين والحارات والأزقة ومداخل البيوت والعمارات وتلك بهجة للأطفال والشباب.
٣- اخترعت مصر مهنة «المسحراتى» يسعد الناس ليلًا ويفرح به أهل كل بيت وينشر الفرحة فى الشوارع والقرى والأحياء حتى صار «المسحراتى» موجودًا فى كل أرجاء أحياء البلاد العربية والإسلامية.
٤- صنعت مصر لرمضان دراما تليفزيونية خاصة به صارت موسمًا فنيًا لا يبارى تتنافس حوله كل الفنون وصار ليل رمضان هو الأكثر سعادة وبهجة دونًا عن كل ليالى السنة.
٥- صنعت مساجد مصر مذاقًا خاصًا لصلوات التراويح بالابتهالات وجعلت منها فسحة روحية وسياحة دينية حول مساجدها الكبيرة فى المدن المصرية منقطعة النظير.
٦- اخترع المصريون الدورات الرمضانية الرياضية فى ليالى رمضان.
٧- صنعت مصر برامج إذاعية وتليفزيونية خاصة برمضان صارت عنوانًا لبهجة الشهر الكريم وأبرزها فوازير رمضان وبرامج المقالب والكاميرا الخفية وكلها فنون صنعت البهجة وزينت الشهر بالسرور.
٨- لم يودع المصريون رمضان دون فرحة تضفى بجمالها على الأولاد والأطفال حتى يتشوقوا لمجيئه كل عام حتى اخترعوا «العيدية» وصناعة الكحك والبسكويت والحلويات.
المشقة الرمضانية فى كل بلاد الإسلام لكن فى مصر فقط تحيط بالمشقة البهجة المصرية.. زينات فى الشوارع وأنوار للفوانيس المبهجة ومصابيح ملونة تعلو المآذن وليالى رمضانية فى القاهرة الفاطمية وأصوات التواشيح ووصلات المديح قادمة من ساحة بيت السحيمى وجنبات زينب خاتون.. خليط مصرى متفرد من الروحانيات الإيمانية وفنون الجمال المتعددة تضفى سحرًا على حالة العبادة فيتحول رمضان إلى كرنفال إيمانى وفنى بديع.
ألم أقل لكم إن الدين عند الله مصر!