الثلاثاء 22 أبريل 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
ابن أبى أصيبعة «مؤرخ الطب عند العرب»

ابن أبى أصيبعة «مؤرخ الطب عند العرب»






هو موفق الدين أبوالعباس أحمد بن سديد القاسم بن خليفة المعروف بابن أبى أصيبعة. ولد فى دمشق سنة 1203م زمن الملك العادل شقيق صلاح الدين الأيوبى وهو سليل أسرة أشتهرت بالطب وهو من أشهر أفراد الأسرة، وقد نشأ فى بيئة حافلة بالدرس والتدريس والتطبيب والمعالجة، ويعتبر من أهم المؤرخين لتاريخ الطب عند العرب. تتلمذ على يد أئمة العلم فى دمشق والقاهرة ومنهم والده قاسم وعمه رشيد الدين والشيخ مهذب الدين الدخوار والحكيم عمران بن صدقه والعالم النباتى الشهير ابن البيطار مؤلف «جامع المفردات» تلقى علومه النظرية والعملية فى بيمارستان (مستشفى) النورى بدمشق متخصصاً بطب العيون لكنه رأى أن اعند والده فى هذا التخصص لا تكفى فرحل إلى القاهرة والتحق هناك بالبيمارستان  الناصرى الذى أنشأه صلاح الدين الأيوبى فى عاصمة الديار المصرية وفيه استفاد من دروس السديد ابن أبى البيان الطبيب الكحال ومؤلف كتاب الأقرابازين المعروف باسم الدستور البيمارستانى. وكان من زملائه فى البيمارستان الناصرى واحد من أشهر أطباء العرب ومكتشف الدورة الدموية الصغرى العالم الكبير ابن النفيس.
أخذ ابن أبى أصيبعة يعمل بمنتهى الجد فى تحصيل العلم فاشتهر بمعرفته وحسن معاملته للمرضى ومداواته لأمراض العيون، وبلغت شهرته الأمير عز الدين أيبك المعظمى الذى دعاه إلى «صلخد» جنوب دمشق بسوريا وانخرط فى خدمته وبقى فيها حتى توفى سنة 1269م.
كان ابن أبى أصيبعة طبيباً ناجحاً لكن شهرته الأساسية تعود لكتابه الذى أسماه «عيون الأنباء فى طبقات الأطباء» الذى بعتبر من أهم مراجع تاريخ الطب عند العرب، إذ لم يضع أحد سواه معجماً تاريخياً للأطباء فقد أرخ هذا الكتاب لما يزيد عن خمسمائه طبيب منهم أربعمائة طبيب عربى فذكر فيه أخبارهم وأشعارهم ونوادرهم وتفاصيل شخصية عنهم، فيبدأ أولاً بتعريف الطبيب ثم يذكر مؤلفاته مع تفصيل لأهم تلك المؤلفات ثم يذكر أقواله وآراءه محدداً نظرياته فى الطب وتجربته وأسلوبه فى المعالجه ونوادره من خلال حياته العملية. جعل ابن أبى أصيبعه كتابه فى خمسة عشر باباً الخمسة الأولى منها تتناول كيفية وجود صناعة الطب، وطبقات الأولين فى الصناعة، وطبقات أطباء اليونان من نسل أسقليبيوس إله الطب عند اليونان إلى أيام جالينيوس ثم يتحدث فى الأبواب العشرة الباقية عن الأطباء الإسكندريين والأطباء العرب فى أول ظهور الإسلام والأطباء السريان فى ابتداء ظهور بنى العباس ونقل الطب من اللسان اليونانى إلى العربى. كما يتحدث عن أطباء العراق والجزيرة وفارس وأطباء الهند وأطباء المغرب والأندلس وأطباء مصر وأخيرا يتناول المشهورين من أطباء الشام. لذلك أصبح كتابه من أفضل ما كتب فى هذا الموضوع حتى يومنا هذا فهو أثر جليل لا يستغنى عنه أحد من المؤرخين لأنه مرجع شامل يقدم صورة واضحة عن الحياة الاجتماعية والعلمية للعالم العربى فى تلك الحقبة من الزمن ويعتبر مصدراً مهماً لدراسة تاريخ الحركة الثقافية وتطور الحضارة العربية الإسلامية، ولقد راجع مخطوطات هذا الكتاب النفيس المستشرق الألمانى الشهير مولر وطبعه بالمطبعة الوهبية بمصر سنة 1882.
وقال العالم مايرهوف «إن لابن أصيبعة الفضل الأكبر فى معرفة التاريخ الطبى والعلمى للقرون الوسطى فى الشرق، خاصة أنه كتب عن الطب الهندى واليونانى ولولا كتابه المذكور لما تمكنا من معرفة هذا الكم الهائل من المعلومات». وهكذا نجد أنه بفضل ابن أبى أصيبعة يمكننا التعرف إلى أحوال الطب والتطبيب فى عصر النهضة العلمية العربية وإلى أخبار المشاهير من الأطباء العرب وتطور المستشفيات عندهم وأسماء كتبهم الطبية ومضمونها وكثير من دقائق مآثرهم التى تجعلنا نقر لهؤلاء العلماء بفضلهم فى حفظ التراث الثمين ونقله من جيل إلى جيل.