الأحد 21 يوليو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
معركة تخفيض معاش مصطفى النحاس باشا!

معركة تخفيض معاش مصطفى النحاس باشا!






بعد أيام قليلة من تقديم «مصطفى النحاس باشا» استقالته إلى الملك فؤاد فى 17 يونيو سنة 1930 قام الملك بإسناد تشكيل الوزارة إلى إسماعيل صدقى باشا لتبدأ مرحلة جديدة فى تاريخ مصر تبدت ملامحها فى إغلاق عشرات الصحف والمجلات كان من بينها مجلة «روزاليوسف»!
ولم يتوان «صدقى باشا» عن شن هجومه على كل خصومه السياسيين، ووصل هذا الهجوم إلى مورد رزقهم ووظائفهم ولم يفلت «النحاس باشا» من هذا الهجوم عليه وعلى مورد رزقه الوحيد فيروى فى مذكراته «البديعة» ربع قرن من السياسة فى مصر.
دراسة وتحقيق الأستاذ أحمد عز الدين هذه الواقعة: «فوجئت بمفاجأة تتعلق هذه المرة بشخصى وهى حربى فى رزقى فقد أخبرت أن صدقى باشا أصدر قرارا بتخفيض معاشى من 125 جنيهًا إلى 67 جنيهًا؛ وهذا المعاش هو كل ما أحصل عليه وليس عندى سواه فلقد أنفقت كل مدخراتى من المحاماة أيام كنت أشتغل فى شئونى وشئون عائلتى المكونة من تسعة أشخاص هم: شقيقتى الأرملة وأولادها الثمانية أربعة منهم ذكور وأربع إناث أتولى شئونهم من تعليم وكل مطالب الحياة.
وكان المعاش يكفى بالكاد؛ إذ كان عندى سيدة إيطالية تعهدت بالصغار منذ طفولتهم وتولتهم وكنت أعطيها المعاش لتنفقه علينا وتكفينا حسبما يكون .. فلما جاءنى هذا النبأ وجمت وتألمت وقلت: سبحان الله ألم يكف هذا الرجل الفاجر أن يحاربنا من الناحية الوطنية فيعمد إلى أحط أنواع الحرب فى الرزق، ورزق من، رزق أطفال صغار وأرمل مسكينة وأخذت أفكر ماذا أصنع فى هذه الكارثة.
لم أتأثر من الناحية العامة ولكننى تألمت من ناحية الأسرة التى فى عنقى؛ ثم أخذت أفكر كيف السبيل إلى حل هذا الإشكال دون أن أظهر ضعفًا أو تأثرًا أمام خصومى حتى لا يشمتوا أو لا يظنوا أنى ضعفت أو استكنت وقضيت ليلة لم أذق فيها طعم النوم!
وفى الصباح الباكر ارتديت ملابسى ونزلت إلى حديقة المنزل على غير عادتى وأخذت أتمشى ذهابا وجيئة ودخل علىّ سكرتيرى الصحفى وأنا فى هذه الحالة من الاضطراب؛ فسألنى خيرًا قلت: إن صدقى باشا خفض المعاش بحيث لا أستطيع مواجهة المطالب الضرورية، فقال: ألا تكلم أعضاء الوفد من الموسرين أمثال حفنى باشا الطرزى أو محمد الوكيل باشا أو سيد بهنس أو بولس حنا أو سينوت حنا وهم والحمد لله موسرون ولا أظن أحدا يتردد فى أن يقرضك مبلغا تحل به هذه الأزمة مؤقتا حتى تدبر الأمر؟!
فقلت له: لا يمكن يا بنى أن أتحدث مع أى واحد من هؤلاء فى مسألة من أخص خصائص كهذه!
وظللت أتمشى فى الحديقة والأفكار تتزاحم فى ذهنى وبعد فترة من الوقت طرأت على ذهنى فكرة فابتسمت وقلت: يا بنى نادى سائق السيارة وهيا بنا إلى «بنك مصر» وسأقابل طلعت حرب باشا وأتحدث معه فى أن يقرضنى سلفة أغطى مصاريفى حتى أرفع الامر إلى القضاء وأنا مطمئن بعون الله إلى أن الحكم سيكون فى صالحى لأن قرار الحكومة قرار جائر لا يستند إلى قانون، ولكن بقى شىء، البنك عادة يطلب ضامنا ولست أدرى من يضمننى؟!
فقال سكرتيرى: إن أى عضو من أعضاء الوفد يضمن وما خلته يرفض!
فقلت له هيا بنا والله يفعل ما يريد!
وذهب النحاس الباشا إلى بنك مصر بالفعل!
وللحكاية بقية!