السبت 13 يوليو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
«كوكو الشقى»

«كوكو الشقى»






قلب مرسوم على شجرة، وسهم يشير من ناحية إلى اسم صلاح والأخرى سميحة، لا أعرف هل تحديدا هذا المشهد من فيلم «الوسادة الخالية» إنتاج 1957  من بطولة عبدالحليم حافظ ولبنى عبدالعزيز وإخراج صلاح أبوسيف والعالق فى أذهان أجيال عديدة كنموذج للرومانسية،كان البداية لغرامنا الشديد لكتابة أسمائنا على الجدران والشجر والرسم على الحوائط،أم عشقنا لتشويه الجمال عادة تأصلت قبل ذلك بكثير.
الرسم والكتابة على الحوائط والمرافق العامة وتشويه الجمال حكاية تستحق أن تشغلنا.
تعاملنا مع المرافق العامة على أنها ليست ملكا لنا،وتعاملنا مع العمارة التى نعيش فيها وقسمته لشقين،الأول بعد عتبة شقتنا من الداخل واهتمامنا الزائد بالنظافة والترتيب والجمال، والثانى خارج العتبة،وفيه لا نرى غضاضة فى إلقاء القمامة على السلم طالما نستعمل الأسانسر ولا نراها فى الصعود والهبوط،أوالقائها فى المنور وعلى سلم الحريق والمعروف ظلما وبهتانا بسلم «الخدامين» حكاية أخرى تكشف كم الارتباك والتشويش الفكرى والقبح الذى يعشش بداخلنا .
حكاية تشويه الجدران والمرافق العامة تتكرر بشكل دورى، أحيانا تختفى لسنوات،وأحيانا تظل شامخة معلنة لنا فجاجة تفكيرنا  وتعودنا على القبح.
 «مرتادو» وسط البلد مثلا لفترات طويلة فى التسعينيات اعتادوا إعلانات «محمود عبد الرازق عفيفى، أو«أديب الشباب» كما يطلق على نفسه وبالمناسبة كان خريج كلية الحقوق .
 عفيفى ملأ الجدران القديمة وأسوار الجراجات والقطارات  بإعلاناته التى لا تكلّفه سوى ثمن الطلاء الذى يستخدمه، داعيًا الناس إلى قراءة كتبه «العظيمة».
ومثله كان جمال الدولى  فى الإسكندرية يمارس نفس الأمر، عفيفى فى القاهرة والدولى فى الإسكندرية، كانا أشهر من نار على علم، أديب الشباب إعلاناته كانت لا يخلومنها شارع واحد فى مصر، صار نجما رغم أن لا أحد يعرف حتى شكله، ولا أحد قرأ له،رغم سخونة عناوين كتبه وطرافتها.
لافتات عفيفى وصلت حتى  شاشات التليفزيون فكان طبيعيا وأنت جالس فى بيتك تتابع مباريات كرة القدم التى يكون طرفها المنتخب المصرى، أن  تظهر فجأة  لافتة كبيرة تتصدر مدرجات الدرجة الثالثة مكتوب عليها بالبنط العريض
«محمود عبدالرازق عفيفى أديب الشباب يتمنى الفوز للمنتخب المصرى».
جمال الدولى، أيضا من أشهر مواطنى المدينة فى فترة التسعينيات، والدولى، على عكس عفيفي، كان يهوى الأضواء، إلا أنه ليس مؤلفًا مثله، وإنما مشجع رياضى متعصب لنادى «الاتحاد السكندري».
وفى إحدى سنوات التسعينيات، فاجأ مشاهدى التليفزيون باقتحامه الملعب عاريًا تمامًا فى نهائى بطولة كأس مصر لكرة السلة.
مشكلة جمال الدولى، خريج كلية الآداب جامعة الإسكندرية، أنه لم يكن  قانعًا بهواياته الرياضية، وإنما أصرّ على تحويل جدران الإسكندرية جميعًا إلى صفحة رأى خاصة به وحده، يستعرض عليها آرائه النقدية فى كرة القدم والفن والأدب والسياسة والطقس أحيانا.
الآن لدينا عفيفى ودولى آخر هوالأخ «كوكوالشقى»، كوكوحفر اسمه على خشب سور كوبرى  محور روض الفرج الجديد  ،ولم ينس أن يحفر حرفى
N , K  وكتب رقم 4 ولم يكمل التاريخ فيبدو أن هناك من أزعجه فى خلوته ولحظة إبداعه الخاصة
«كوكو» ومن مثله  إبداعاتهم وصلت لكل مكان، جدران المدارس والفصول، دورات المياه  العامة وحتى فى المساجد والكنائس  والحدائق والمتنزهات والمرافق العامة كالمطارات وصالات الانتظار فى محطات «القطارات» و»النقل الجماعي».
«كوكو» سليل مشوهى شوارع القاهرة فى 25 يناير وما بعدها بـ «الجرافيتى» سليل من استباحوا المرافق العامة والمال العام.
ربما كان وراء تلك الظاهرة قصور فى مجالات التلقى، عجز التعليم والأسرة والإعلام والفن بكل أشكاله فى غرس السلوك القويم، حب واحترام الآخرين وخصوصيتهم وحقهم فى التمتع بالجمال والمرافق العامة بعيدا عن الغوغائية التى تدل على فجاجة التفكير .
لكن المؤكد أن «كوكو» نموذج متكرر وبكثرة، نموذج يتعامل مع المرافق العامة والمال العام باستباحة شديدة، لا يرى أنها ملك له والحفاظ عليها واجب فالمرافق التى تبنيها وتشيدها الدولة من أجل المصلحة العامة، ووجودها أمر ضرورى من أجل تيسير حياة الناس وليس تخليدا لاسم سيادته هو والآنسة نون .
السؤال المهم هنا: ما الذى يدفع كوكو وأمثاله  إلى ذلك؟!، من الذى غرس فيهم هذه الثقافة ؟ والأهم كيف يمكن معالجة «كوكو»؟
 هل ما دفع كوكو وأمثاله إلى تلك الأفعال هوعدم الشعور بالمسئولية، أم أسلوب التنشئة الخاطئ، أم الإعلام والفن والتعليم؟
«صلاح وسميحة» السبب، أم جمال الدولى ومحمود عفيفى؟