الجمعة 23 أغسطس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
طلعت حرب لمصطفى النحاس: هذا الكلام لا يصح يا باشا!

طلعت حرب لمصطفى النحاس: هذا الكلام لا يصح يا باشا!






كان آخر ما يخطر على بال «مصطفى النحاس باشا» بعد تقديم استقالة حكومته فى يونيو سنة 1930 أن يقوم رئيس الوزراء الجديد «إسماعيل صدقى باشا بتخفيض معاشه من 125 جنيهًا إلى 67 جنيهًا هو المسئول عن عائلة قوامها تسعة أشخاص هم شقيقته الأرملة وثمانية من أولادها.
ورفض النحاس باشا أن يلجأ إلى أغنياء الوفد ليقترض منهم أى مبلغ يحل به هذه الأزمة الطارئة التى لم يحسب حسابها، وهنا قرر النحاس باشا «اللجوء إلى «طلعت حرب باشا» رئيس بنك مصر ويروى فى مذكراته:
«وصلت إلى بنك مصر فاستقبلنى «فؤاد بك سلطان» وكيل البنك، وقابلنى طلعت باشا على الفور وتحدثت معه فى الموضوع، وفى أنى أفكر فى حالة موافقتك على السلفة أن آتى لك بشخص من الموسرين ليضمنى طبقًا لقانون البنك!
فابتسم «طلعت باشا» وقال: يا باشا هذا كلام لا يصح إذا كانت مصر كلها ونحن من أبنائها أئتمناك على قضيتنا أفلا نئتمنك على عدة آلاف من الجنيهات ثم نادى سكريتره وقال له: حول الآن مبلغ خمسة آلاف جنيه إلى حساب الباشا الجارى فى البنك ليكون تحت تصرفه، فإذا أوشك هذا المبلغ على الانتهاء فحول له مبلغًا آخر حتى تنتهى هذه المحنة بسلام!
والتفت إلى وقال: يا باشا البنك ورئيسه ومجلس إدارته فى خدمتك!!
وودعنا حتى السلم الخارجى وخرجت مسرورًا شاكرًا الله على نعمه أن وفق ويسر حل هذه الأزمة التى ظن «صدقى» باشا أنها ستنال منى أو ستلهينى عن الجهاد فى سبيل تحقيق آمال البلاد!
ويمضى «مصطفى النحاس» فى مذاكرته «دراسة وتحقيق الأستاذ «أحمد عزالدين» فيقول:
«انتشر خبر تخفيض المعاش بين الأوساط كلها فجاء أعضاء الهيئة الوفدية وعدد كبير من الأغنياء والموسرين يعرضون على أموالهم فاعتذرت شاكرًا وقلت لهم:
إن المسألة انتهت وأن «طلعت باشا حرب» أكرمه الله قد حلها على أحسن وجه وأكمله!
وتجاذبنا أطراف الحديث فى مروءة «طلعت باشا» وشهامته وكرم نفسه، وصرحت أمامهم بأن هذا جميل لن أنساه لطلعت حرب «طيلة حياتى، ثم كلفت بعض الأساتذة المحامين برفع الدعوى ضد هذا القرار الجائر».
وتستمر قضية «مصطفى النحاس باشا» فى المحكمة طوال عامين حتى حكم القضاء فيها  ويقول «النحاس باشا»:
«حكم القضاء فى قضية المعاش الخاصة بى ضد الحكومة وقرر صرف المتجمد لى، وحمدت الله على لطفه وقلت إن فى مصر قضاة لا يخافون فى الله لومة لائم، وانتويت أن أزور طلعت «حرب باشا» لأشكره ودفع المبالغ التى أمر بإيداعها فى حسابى الجارى!
اتصل بى طلعت حرب باشا «مهنئًا بالحكم معلنًا سروره وقد أخبرته بأننى كنت سأزوره لأشكره على ما قدم ولكنه سبقنى! فقال: لا تستعجل فإنى لم أفعل إلا أبسط الواجبات الوطنية مع رجل يحارب كل يوم من أجل تمسكه بالمبادئ الوطنية، فكررت له الشكر ووعدته بأن أزوره فى بنك مصر».
انتهت الحكاية وتبقى دلالتها الإنسانية والوطنية!