
أ.د. رضا عوض
الإمام الطبرى
هو محمد بن جرير بن يزيد بن كثير بن غالب الطبرى، وكنيته أبى جعفر، من كبار أئمة أهل السنة والجماعة، مؤرخ ومُفسر وفقيه مسلم صاحب أكبر كتابين فى التفسير والتاريخ ويعتبر من أكثر علماء الإسلام تأليفًا وتصنيفًا، ولقبه إمام المؤرخين، وإمام المفسرين.
وُلِد سنة 224هـ - 839م بآمُل عاصمة إقليم طبرستان بإيران ووجَّهه والده منذ الطفولة إلى حفظ القرآن الكريم، وظهرت عليه فى طفولته سمات النبوغ الفكري. قال الطبرى عن نفسه: «حفظت القرآن ولى سبع سنين، وصليت بالناس وأنا ابن ثمانى سنين، وكتبت الحديث وأنا فى التاسعة».
لما حصل الطبرى على مبادئ العلوم فى بلده وسمع من شيوخها رحل إلى بغداد والبصرة والكوفة لملاقاة شيوخها واستكمال دراسته ممنيا نفسه لقاء الإمام أحمد بن حنبل، ولكن قبل وصوله إليها بقليل بلغه نبأ وفاته.
وكان الطبرى على جانبٍ كبير من الورع والزهد والحذر من الحرام، والبُعد عن مواطن الشُّبَه، واجتناب محارم الله تعالى، والخوف منه.
وكان من كبار الصالحين وكان يمتنع عن قبول عطايا الملوك والحكام والأمراء. ترك الطبرى ثروة علمية تدل على غزارة علمه، ومن هذه المؤلفات: جامع البيان فى تأويل القرآن، المعروف بتفسير الطبرى و«تاريخ الأمم والملوك» المعروف بتاريخ الطبرى وعشرات من المؤلفات الأخرى. وقال عنه الامام الذهبي: «الإمام الجليل، المفسر أبوجعفر، صاحب التصانيف الباهرة.. من كبار أئمة الإسلام المعتمدين.. له كتاب التفسير، لم يصنف أحد مثله».
وقد حضر مجالسه العديد من أشهر علماء عصره والذين تتلمذوا على يده، ولكنه تعرض لمحنة شديدة فى أواخر حياته بسبب التعصب المذهبي، فلقد وقعت ضغائن ومشاحنات بين الطبرى ورأس الحنابلة فى بغداد أبى بكر بن داود أفضت إلى اضطهاد الحنابلة لابن جرير، وكان المذهب الحنبلى فى هذه الفترة هو المسيطر على العراق عامةً وبغدادَ خاصةً، وتعصب العوامّ على ابن جرير ورموه بالتشيّع وغالوا فى ذلك حتى منعوا الناس من الاجتماع به، وظل ابن جرير محاصرًا فى بيته حتى تُوفّى فى بغداد عام 310 هجرية الموافق 923 ميلادية عن ستة وثمانين عاما فى عصر الخليفة العباسى المقتدر بالله، بعد أن ترك تراثا خالدا.