
محمد صلاح
«العميد» تنتظر «شاروبيم»
أنا واحد من بين ملايين المصريين الذين يفتخرون بالدقهلية، التى أنجبت علماء ومفكرين وسياسيين ومثقفين وأدباء وفنانين وإعلاميين ورواد تنوير، تركوا بصمات ستظل خالدة على مر العصور.
ورغم أنها ليست من المحافظات الحضرية، إلا أن أبناءها يمتازون بالموهبة والذكاء والعلماء والتحضر، كما شهدت «الدقهلية» نقلة نوعية فى مجال التعليم والصحة، حتى صارت عاصمة الطب فى الشرق الأوسط.
الدقهلية مثل باقى محافظات مصر، تصدى أبناؤها للمتاجرين بالدين ودعاة الفتنة والتحريض، وكانت مثالا للمحبة والتسامح، لا فرق فيها بين مصرى «مسلم أو مسيحى»، تتعانق فيها أصوات الآذان مع أجراس الكنائس.
كنت سعيدا ومتحمسا ومتفائلا مثل 7 ملايين من أبناء الدقهلية، بتكليف الدكتور كمال شاروبيم، كأول قبطى يتولى منصب محافظ الإقليم، الذى يتميز بالتنوع الثقافى والحضارى.
مصدر سعادتى وتفاؤلى، أن «شاروبيم»، ابن محافظة أسيوط، أحد أبرز الكفاءات التى تطبق الأسلوب العلمى فى حل المشاكل التي تراكمت على مدار عقود طويلة، فضلا عن أنه كان يتولى مهمة الإشراف على المجالس المتخصصة، وهى جهة استشارية تابعة لرئاسة الجمهورية، تتولى المعاونة فى رسم السياسات العامة للدولة وإعداد الدراسات الشاملة فى كل مجالات العمل الوطنى « تنمية اقتصادية.. تعليم وبحث علمى.. تنمية مجتمعية، فضلا عن مجلس للأمن القومى والسياسة الخارجية».
بعد ساعات من تولى المسئولية، وعلى طريقة «انسف حمامك القديم» تخلص «شاروبيم» من 40 معاونا للمحافظ السابق، وقرر أن يتواصل بنفسه مع المواطنين دون وسيط، للتعرف على مشاكلهم والبحث عن حلول علمية لها، مع تسهيل الإجراءات على المواطنين دون الإخلال بالقانون.
قطعا لن ينسى أبناء الدقهلية «شاروبيم»، ففى سابقة أسعدت المصريين، شاهد الملايين عبر شاشات التليفزيون المحافظ «القبطى» يدخل المسجد ويحضر خطبة الجمعة، ثم تكرر المشهد مرة أخرى وحضر برفقته قساوسة ورهبان، افتتاح أحد المساجد، وخطبة الجمعة، فى رسالة للعالم تؤكد على قوة الوحدة الوطنية، و أن المصريين نسيج واحد غير قابل للتمزق، وأنه لا فرق بين مسلم ومسيحى، وأن الدين لله والوطن للجميع.
«شاروبيم» الذى أطلق رصاصة الرحمة على دعاة الفتنة والتحريض، لا يقل شجاعة ووطنية عن القمص « سرجيوس» أول قبطى يعتلى منبر الأزهر ليحث المسلمين والمسيحيين للوقوف إلى جانب سعد زغلول فى مواجهة الاحتلال الإنجليزى خلال ثورة 1919.
300 يوم مرت على تجربة «شاروبيم»، وهى تجربة فى مجملها جيدة ومتميزة، ويستطيع أن يخلد اسمه بين أعلام الدقهلية، ولكن « بيروقراطية» المسئولين التنفيذيين، ومبرراتهم الواهية باللوائح والقوانين، حاصرت المحافظ المتحمس وجعلته يغرق فى تفاصيل التفاصيل، وانحصر اهتمامه بنظافة مدينة المنصورة، ومدينة جمصة التى يأتيها المصطافون من محافظات الدلتا، وترك باقى القرى والمدن كما هى فريسة للإهمال فى كافة المجالات.
قرى مركز تمى الأمديد، مثل باقى القرى، سقطت من حسابات المسئولين بالمحافظة، «شاروبيم» زار المدينة ثلاث مرات بمعدل مرة كل 100 يوم، فى المرة الأولى افتتح « حضانة الأطفال» بالمستشفى المركزى، ثم تفقد محطة الكهرباء، والثانية قام بجولة على لجان الاستفتاء على تعديلات الدستور، بينما الثالثة فكانت بعد سقوط سقف مسجد على عدد من العاملين به.
قرية «العميد» التى تتبع مركز « تمى الأمديد»، لم يسبق أن زارها أى مسئول «رئيس وحدة محلية أو رئيس مدينة أو محافظ» للتعرف على مشاكلها، فالمسئولون يعتبرون سكان القرى مواطنين من الدرجة الثانية، ويتم توجيه جميع الخدمات للمدن، حتى مياه الشرب يحرمون القرى منها من أجل أن تنعم بها المدينة.
محطة مياه الشرب تبعد عن قرية «العميد» كيلو واحد، ومع ذلك أصبح «كوب ماء» حلم لكل مواطن، وخصوصا فى فصل الصيف، ودائما مع نسمع من المسئولين مبررات لا ترقى للعقل والمنطق، غير مدركين أن حصول المواطن على كوب مياه نظيف حق من حقوق الإنسان لا يقل أهمية عن الحق فى الحياة والصحة والتعليم والسكن.
قرية « العميد» فى انتظار محافظ الدقهلية لإيجاد حلول عاجلة وناجزة لها مع مياه الشرب، والرى والكهرباء والتعليم والصحة والشباب والرياضة، والطرق.