
د. ايناس الشيخ
إنسان الغاب..!
ليس ببدائى المظهر، ولا بمحدودى الذكاء، وعلى الرغم من أن بيته لم يكن فى الغاب أو وسط صخور الكهوف، إلا أن عقله وحدود تفكيره كانت تعيش هناك.. حيث نزعة النفس البشرية التى تغلب العقل، فتقيد تفكيره بقيود الرغبة والشهوة وحب السيطرة والتحكم من أجل المتعة اللحظية!.
مرت العصور.. ومر الإنسان البشرى معها بتحولات كثيرة أحدثت بدورها تطورات نفسية فى النفس البشرية (الإنسان) إلا أن نمط (إنسان الغاب) مازال حاضراً إلى يومنا هذا.
فى بادئ الأمر قد تجد استغراباً مما أكتب، ولكن عندما تطالع معى.. كيف أن هناك فئة مازالت تجد فى فورية إشباع غرائزها وتحقيق رغباتها سلاحاً للعيش والاستمرار فى الحياة، وكيف أن النظر للعالم من شرفة (الأبيض والأسود) يعد عادلاً لتصنيف مفردات الحياه والأشخاص.. فإما معى وإما ضدى، إما صديقى وإما تكون عدوى، فلا توجد فى رؤيتهم للحياة منطقة رمادية اللون تصلح لتقبل الأشياء والأشخاص.
فكيف أن مصالحه الشخصية تحكمه، لتجده يعيش فى الحياة كالصياد الذى يعيش على اقتناص فرائسه، ولكن الفارق هنا.. أنه ليس لديه من الصبر وطول النفس ما يكسبه الحكمة ليتروى فى قنص فريسته!، فالعنف والهمجية قد تكون الوسيلة الأسرع للقنص.. حتى لو كان مقابله (إيذاء الغير)!.
للأسف.. مازالت هذه المرحلة موجودة فى التكوين النفسى لدى الكثير منا، فكل إنسان قد مر بهذه المرحلة فى الصغر.. فدائماً ما كانت طفولتنا المتهورة تدفعنا لإشباع فورى لرغباتنا دون النظر إلى كيفية الحصول عليه!، دون أى تحكم ذاتى أو ضبط للنفس أو إلتزام أو إدراك لقيمة التعاون مع الآخرين.. فكل ما يهم هو (إخراس هذا الشيطان الداخلى) حتى لو على حساب الغير!.. ولكن الفارق هنا أيضاً أن براءة الطفولة التى كانت تتناسب مع حجم العقل والتفكير قد تكون شافعاً لفعل هذا.. إلى أن ينمو الإنسان وينمو معه عقله وتتسع آفاق فكره ونموه النفسى، فينتقل من هذه المرحلة المندفعة إلى مراحل رقى النفس البشرية والآدمية فى السلوك البشرى.. فيعرف كيف يفكر بعيداً عن الهمجية والاندفاعية والنفس الأمارة بالسوء.. ليصل إلى أن يعرف (كيف يكون إنساناً).
ومنا مازال عالقاً بهذه المرحلة.. يعيش بيننا فى حاضرنا بجسد رجل كامل وعقل طفل متهور.. إنسان لم يكن لكبر حجم عقله نصيباً من النضج العقلى والنمو الفكرى الذى يجعله يسمو بنسفه، لنجده يجد لذة يومه فى الاندفاعية والتهور والخروج عن المألوف، والتمرد والعنف، ليصبح عالمه متجرداً من أى ضوابط أو مرادفات للرقى وإعلاء لقيمة الإنسان والنفس على شهوانية الحياة.
إن الارتقاء بالنفس هو أسمى مراحل الرقى البشرى، الذى يضرب بعصاه السحرية فيُحدث بمعانى آداميته ورقيه تغييراً كاملاً فى الإنسان، تغييراً لم يقتصر فقط على الخارج، بل يتعدى ليصيب الداخل فيطرح به الجمال والخلق والرقى.