
محمد صلاح
23 يوليو.. 30 يونيو طرد «جواسيس الشيطان»
سبعة وستون عاما مرت على ثورة 23 يوليو، جيل كامل لم يكن شاهدا على أحداثها، ورغم ذلك فإن ذكراها خالدة فى عقول ووجدان المصريين، فهى علامة فارقة فى تاريخ وحضارة الوطن، فمن رحمها تحررت أمم من عبودية الاستعمار، كما بزغت شمس الحرية على مصر الحديثة، التى عاد أبناؤها إلى حكمها مرة أخرى بعد قرون طويلة.
جاحد من ينكر دورها وفضلها، فثورة يوليو غيرت وجه الحياة على أرض المحروسة، ويكفيها فخرا أنها خلصتنا من استعمار بريطانى استمر 70 عاما، وقضت على طموح جماعة «الشيطان الإخوانية»، وحققت مبادئ العدالة فى توزيع الثروة على العمال والفلاحين، وأقرت مبدأ مجانية التعليم، وقادت مسيرة التقدم والاستقرار، ليعيش الشعب المصرى مرفوع الهامة فى مواجهة القوى الاستعمارية باستقلال إرادته الشعبية وقراره السياسى.
ما بين ثورتى 23 يوليو، و30 يونيو، نقاط تشابة متعددة، فـ» الحركة المباركة» قام بها ضباط أحرار حملوا أرواحهم ليعيدوا الحياة إلى مصر، ثم التف حولهم الشعب، بينما استجابت قواتنا المسلحة التى هى جزء لا يتجزأ من الشعب المصرى، إلى نداء الملايين فى ثورة 30 يونيو.
ثورة يوليو، تمثل نقطة تحول كبرى فى تاريخ العسكرية المصرية، فقد أعادت بناء الجيش الوطنى الذى أنهى عصر الاستعمار البريطانى، بينما فى 30 يونيو، تم تطوير القدرات القتالية لقواتنا المسلحة التى نجحت فى مواجهة المؤامرات الداخلية والخارجية التى لا تستهدف النيل من أمن واستقرار الوطن فقط، بل المنطقة العربية من الخليج إلى المحيط، كما تصدى الأبطال لإرهاب جماعة الإخوان، بعدما نجح الشعب فى التخلص من حكم الجماعة الإرهابية، ليستعيد الشعب حريته وإنسانيته.
ما حدث فى الثورتين، يؤكد تلاحم الشعب والجيش فى مواجهة الاستعمار والإرهاب، وأن القوات المسلحة ستظل الدرع الحامية لتراب الوطن المقدس، والملاذ الأخير لتخليص الشعب من الظلم والطغيان، ولن تقبل أبدا أن يسرق الوطن أو تتغير هويته من جماعة اعتادت على سرقة الأوطان.
لم يتغير أعداء مصر، فبريطانيا مازالت تنفذ مؤامراتها وتدعم جماعة الإخوان «نبتها الشيطانى» الذى أسسته عام 1928، كما لم يتوقف العداء التركى حتى بعد سقوط الخلافة العثمانية، وبدا ذلك واضحا فى ثورتى 23 يوليو و30 يونيو.
تركيا لم تكن يوما صديقة لمصر، ودائما ما تتخذ مواقف معادية لإرادة الشعب المصرى، ففى ثورة 30 يونيو كشف أردوغان عن وجهه القبيح وأعلن دعمه لجماعة الإخوان الإرهابية، بالمال والسلاح لزعزعة أمن واستقرار مصر، وجعله بلاده ملاذا آمنا للإرهابيين، فقررت السلطات المصرية توجيه لطمة شديدة للنظام التركى، فتم طرد سفيرها بالقاهرة حسين عونى بصطالى.
ما حدث فى 30 يونيو، سبق تكراره فى ثورة 23 يوليو، فبعد سقوط الملكية وإعلان الجمهورية، كثفت تركيا من حملاتها العدائية ضد مصر، وأعلنت عن تضامنها مع بريطانيا، وهو ما اعتبرته القاهرة إجراءا عدائيا، فقرر مجلس قيادة الثورة طرد السفير التركى فؤاد توغاى بعد رفع الحصانة الدبلوماسية عنه واعتباره شخصا غير مرغوب فيه.
«توغاى».. مجهول النسب، كان يعتبر نفسه مندوبا ساميا للخلافة العثمانية فى مصر، باعتباره صهرا للعائلة المالكة التى خلعتها الثورة، حيث كان متزوجا من الأميرة أمينة مختار حفيدة الخديو إسماعيل، وابنة الأميرة نعمت الله، شقيقة الملك فؤاد وهى فى نفس الوقت عمة الملك فاروق، ملك مصر قبل الثورة، لذلك لم يفرق بين ما شخصى وما هو سياسى.
بتعليمات من حكومته، تخلى سفير تركيا عن مبادئ الدبلوماسية، ودأب على انتقاد أعضاء مجلس قيادة الثورة، فعند حضوره افتتاح موسم الأوبرا، دخل جمال عبد الناصر نائب رئيس الوزراء فى حكومة اللواء محمد نجيب، وصافح السفير الهندى ووزير السويد المفوض، ثم أشار بيده مرحبا بـ» توغاى» إلا أن عجرفة السفير التركى دفعته للتحدث مع عبد الناصر بصوت عال قائلا: «تصرفاتكم ليست تصرفات جنتلمان، ولن تكون هناك صداقة بيننا وبينكم»، واستمر عبد الناصر فى تجاهله، وفى اليوم التالى كان قرار مجلس قيادة الثورة بطرد السفير التركى من مصر.
تركيا واصلت خيانتها، بالصمت إزاء العدوان الثلاثى على مصر عام 1956، ثم أبدت سعادة بالغة بانفصال مصر عن سوريا عام 1961، ما دفع عبد الناصر إلى دعم اليونان فى خلافها مع تركيا بشأن جزيرة قبرص ومساندة حقوق الأكراد، وطرد السفير التركى للمرة الثانية.