الأحد 21 يوليو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
د.جلال أمين ناقدًا تليفزيونيًا!

د.جلال أمين ناقدًا تليفزيونيًا!






أفتقد كتابات الأستاذ الدكتور المفكر «جلال أمين» تلك الكتابات التى تتسم بالجدية والعقلانية وغزارة المعلومات والثقافة العميقة، وسيظل كتابه. ماذا حدث للمصريين من أعمق وأصدق كتبه وأجملها!!
وأمام الشهرة الطاغية والكاسحة لهذا الكتاب نسى الناس كتبًا أخرى لا تقل أهمية له، ومنها مثلاً كتاب صغير الحجم (176 صفحة) عنوانه: «العولمة» ومن أجمل فصول الكتاب ما كتبه د. جلال أمين «بشأن التليفزيون» ونشرات الأخبار والمسلسلات الدرامية!
يقول د.جلال: «قام أحد كبار المذيعين بالتليفزيون البريطانى بإلغاء محاضرة فى الولايات المتحدة ثم نشرت فى إنجلترا أحدثت ضجة واسعة وأثارت اهتمامًا كبيرًا بين المشتغلين بالإعلام وهى أن نشرات الأخبار فى الإذاعة والتليفزيون بل فى وسائل الإعلام الغربى بصفة عامة تركز تركيزًا غريبًا على الأخبار السيئة ولا تفسح مكانًا يذكر للأخبار السعيدة!! يقول الرجل ــ المذيع ــ أن الذى يشاهد نشرة أخبار فى التليفزيون يخرج بانطباع سيئ جدًا عن هذا العالم، إذ إن خبرًا بعد خبر ينهى إلى علمه كارثة ومصيبة بعد مصيبة أخرى سواء تعلق الأمر بسقوط طائرة أو غرق باخرة أو انتحار أحد السياسيين أو مقتل أحد السياح فلا تنتهى نشرة الأخبار وإلا وقد تركت فى نفس المشاهد مرارة أو سخطًا أو غضبًا أو خوفًا، إذا لو كان العالم هو حقًا كما تصوره نشرات الأخبار مسلسل لا ينتهى من القتل والسرقة والاغتصاب والطلاق والتضخم.. إلخ فما جدوى العيش أصلًا؟!
ولكن لحسن الحظ أن الأمر ليس كذلك فى الحقيقة الحياة تحتوى على هذا وذاك ــ أخبار سيئة وأخبار سعيدة ــ فلماذا نجد نشرات الأخبار تكاد تقتصر على المؤسف والمحزن والمقلق؟!
هكذا تساءل الرجل ومعه كل الحق؟! وتعاطف معه الكثيرون الذين بادروا بالكتابة إليه وإلى الصحف يعبرون عن تأييدهم لرأيه، وإذا بالمسئولين عن جهاز التليفزيون وعن إعداد نشرات الأخبار يصابون بدهشة شديدة إذ لم يكونوا يظنون أن سخط الناس على نشراتهم هو بهذا الانتشار وهذه القوة!
ويتساءل د.جلال أمين: إلى أى مدى يمكن أن يأمل فى أن يحدث هذا الاحتجاج أثرًا يذكر فى محتوى نشرات الأخبار؟! إلى أى مدى يمكن أن يخضع رجال الإعلام للرغبات الحقيقية للرأى العام التى عبر عنها ــ المذيع  ــ بهذه القوة؟!
ويجيب د.جلال قائلاً: لست كبير الأمل فى أن يستجيب  رجال الإعلام لهذه الرغبة! وإن كنت لست واثقًا تمام الثقة فى السبب الحقيقى لهذه الأحجام! لدى عدة تفسيرات محتملة لتلك الظاهرة التى نشكو منها: غلبة الأخبار السيئة فى نشرات الأخبار، وتعمد استبعاد الأخبار السعيدة! وتخفيض الزمن المتاح لها إلى أقل حد ممكن.
من بين هذه التفسيرات أرجح التفسير الآتى: أن المسئول عن هذه الظاهرة هو المجتمع الاستهلاكي، فقد أصبحت برامج التليفزيون خاضعة لرغبة المعلنين عن السلع ونجاح الإعلان يقاس بكثرة عدد المشاهدين ومدى تأثرهم به، والأخبار السيئة والمقلقة تدفع الناس دفعًا إلى متابعة الأخبار أملاً فى الحصول على طمأنينة لا تأتى أبدًا، وهذه المتابعة المستمرة للأخبار تضمن أن يقع أكبر عدد من المشاهدين فريسة للإعلانات!!
إن الشخص القلق والمتوتر والخائف هو مستهلك جيد، فإذا كانت وسائل الإعلام قد أصبحت فى خدمة مروجى السلع فإن من مصلحة الجميع ــ إلا المستهلك المسكين بالطبع ــ أن يعم القلق وينتشر التوتر، وما هو أفضل لذلك من نشرات أخبار كئيبة ومقلقة! إن الأمر لا يحتاج إلى مؤامرة بين المسئولين عن التليفزيون وبين منتجى السلع والمروجين لها، كل ما يحتاجه الأمر هو أن تتفق مصلحة هذا مع مصلحة ذاك، فتحدث النتيجة الوخيمة التى ندفع ثمنها نحن المستهلكين المساكين.
صدقت يا دكتور جلال الله يرحمك.