
رشدي أباظة
«صاحب فضل»
أكتب مساء السبت، لينشر فى الجريدة عدد الاثنين، هذا التوضيح فقط حتى لا أكون من المنتظرين «جوجل» يحتفى به لأكتب عنه – على افتراض أنه سيحتفى – وحتى لا أكون ممن يسألون جوجل.. فهذه الحملة الدعائية فى منتهى الخطورة، ولك أن تتخيل أنها تعتمد فقط على أن الكل جاهل منتظر «جوجل» ليجيب عن كل شىء، وهو الصادق الصدوق، ونبهنى الصديق الكاتب الصحفى محمد مصطفى أبوشامة لخطورة الأمرقائلا: بعد سنوات طالت أو قصرت قد تأتى جوجل لتقول لنا إن الكيان الصهيونى انتصر فى أكتوبر 73... ويصدقها الشباب.
«جوجل» حكاية أخرى ، قصة تستحق أن تدرس وتحكى بتأن، لكن اليوم دعونى أحتفى معكم بصاحب الفضل الكبير فى مجانية التعليم الدكتور طه حسين.. اليوم 28 أكتوبر هو الذكرى الـ 46 لرحيل عملاق الأدب العربى والذى غيبه الموت زى النهارده 28 أكتوبر 73.
الدكتور طه حسين صاحب فضل كبيرعلى أجيال كاملة من المصريين بإصراره على مجانية التعليم، صحيح أن محمد على باشا بدأ الحكاية بإنشاء أول نظام مجانى للتعليم الحديث فى مصرعام 1820، ضمن طموحاته لتأسيس دولة حديثة، إلا أن الاحتلال الإنجليزى لمصر كان من أول قراراته فرض المصروفات على التعليم!
استمر الوضع هكذا حتى تولى عميد الأدب العربى طه حسين حقيبة التعليم، فى عام 1950، وكان يطلق عليها وقتها وزارة المعارف، فأصدر قرارًا بمجانية التعليم، وذلك اتفاقاً مع مقولته «التعليم حق للجميع كالماء والهواء».
بقى «طه حسين» فى منصب وزير المعارف حتى 27 يناير 1952. وخلال تلك الفترة عمل على وضع مقولته «التعليم كالماء والهواء» موضع التنفيذ وبدأ فى تنفيذ سياسة التعليم المجانى للتعليم الثانوى والتعليم الفنى وبناء منظومة تعليمية صحية وقوية تنافس منظومات التعليم الأوروبية وتعاقد مع أساتدة من فرنسا وإنجلترا لتعليم الطلبة اللغتين الفرنسية والإنجليزية تعليما راقيا... كما أقر للتلاميذ «تغذية» كاملة ويوما دراسيا كاملا والكتب والكراريس والأقلام بالمجان.
عامان فقط تولى فيهما «طه حسين» الوزارة وضع فيهما منظومة محترمة، ونجح فى أن يرفع مستوى التعليم فى مصر ليضاهى به التعليم فى أرقى الدول.
الدكتور طه حسين آمن بحرية التعليم وأهميته وعمل بجد على تحقيق ما آمن به، ليسجل اسمه بحروف من نور فى قلوب المصريين.
«طه حسين» لم يكن فقط يحلم بالتعليم المجانى فى مراحله الأولى للبسطاء، بل طالب بالمجانية حتى التعليم الجامعى وخاض معارك ضارية من أجل استقلال التعليم الجامعى والجامعة.
فعندما تم اختياره عام 1928 من قبل وزارة المعارف عميدا لكلية الآداب، استقال من عمادة الكلية بعد يوم واحد، مفضلا البقاء أستاذا بين تلاميذه ينقل لهم علمه وخبراته.
أعيد «طه حسين» إلى عمادة الآداب عام 1930، ووقتها رفض بقوة منح الجامعة، الدكتوراه الفخرية لعدد من الشخصيات السياسية، فأصدر وزير المعارف مرسوما يقضى بنقله إلى وزارة المعارف، ومع رفضه تسلم منصبه الجديد اضطرت الحكومة إلى إحالته للتقاعد سنة 1932 فخاض صراعا قانونيا دفاعا عن حقه وعن استقلال الجامعة عاد على أثره إلى الكلية أستاذا فى عام 1934 ثم عميدا عام 1936.
حرص «طه حسين» على التعليم الجامعى امتد ليشمل الطلاب والمواد العلمية التى يتلقونها والأساتذة، فبين خطاباته التى تركها واحد أرسله إلى مدير الجامعة السورية يعتذر فيه عن تلبية دعوة بإلقاء محاضرات هناك لمدة شهر... كتب فيه إنه يعتذر لأن الدعوة «وصلت فى ظروف تجعل من العسير على أن أقيم فى دمشق شهرا كاملا، فنحن فى وسط العام الدراسى وليس من السهل أن أترك طلاب الآداب فى جامعة القاهرة شهرا كاملا».
صاحب الفضل الكبير على أجيال متتالية خرج منها عباقرة فى الطب والهندسة والأدب والتاريخ والفن والموسيقى، واحد من أهم قوى مصر الناعمة ، قد تكون وفاته فى شهر النصر عام 73 تسببت فى نسيانه، أو تجاهل الاحتفاء به، فالاحتفال بالنصر يعطينا نشوة عظيمة نستحقها، وقد تكون الحكاية مجرد «آفة حارتنا النسيان» على رأى عمنا الكبير أديب نوبل نجيب محفوظ.