الأربعاء 23 يوليو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
«الوعى»

«الوعى»






مستفز جدا العالم الافتراضى، دنيا مواقع التواصل الاجتماعى أشبه بماكينة تلتهم ماتطاله لحظيا، وإذا لم تجد ما تلتهمه تعيد إنتاج حكايات صالحة للالتهام، وفى النهاية تلتهم تروسها، بعضها البعض.
لم أجد مبررا واضحا للحرب الدائرة حول الشيخ محمد متولى الشعراوى، وبغض النظر هنا عن موقفى الشخصى من الشيخ ومؤيديه أو منتقديه، فإن الحقيقة الوحيدة الواضحة وضوح الشمس هى أن الرجل فى ذمة الله.
الحرب الضروس على منصات التواصل الاجتماعى تكشف لنا بوضوح حالة تغييب العقل وعدم الإدراك واللاوعى التى نستمتع بها، ونصر عليها.
ما نعيشه اليوم من خلافات ومعارك وهمية فى العالم الافتراضى دليل على الدرك الأسفل من السقوط والانهيار فى منظومة الأخلاق والقيم، فبدلا من استخدام منصات التواصل الاجتماعى للمزيد من التقارب وإجراء نقاشات حقيقية تدفع بنا نحو التفكير السليم والضرورى لتغيير حياتنا، نستخدمها فى المزيد من التسطيح والتغييب للعقل والمنطق، وتأجيج الخلافات بنقاشات لاتقدم ولاتؤخر.
أكبر مقتل سنواجهه قريبا إذا استمرت حالة عدم الإدراك هذه هوالتعطيل الكلى للعقل، العيش فى حالة تخلُّف مدقع، لا أفكار، لا إبداع، لا اختلاف،لا عمل، لا إنجاز، فقط خلافات وكراهية وتدنى فى الحوار والأخلاق.
ما يجرى على منصات التواصل الاجتماعى الآن ماهو إلا تغييب للعقل، تجهيل متعمد، حرب وخلافات مدروسة جيدا لمزيد من الانفصال عن الواقع، زيادة مساحات الخلاف، تقليص مسارات الالتقاء.
والحل؟!
أظن وبعض الظن من حسن الفطن، أن الوعى هو الطريق الوحيد للخروج من الحالة المؤسفة التى وصلنا إليها ونستمتع باستمرارها.
الوعى هو الحالة العقليّة التى سيتم من خلالها إدراك الواقع والحقائق الّتى تجرى من حولنا، ومن خلالها – حالة الوعى - نستطيع أن نرتب الأولويات ونعمل على التقدم، الإلتقاء، تخليق الأفكار، زيادة مساحات تقبل الآخر، بدلا من الانصهار فى الماضى والإصرار على الاستمرار فى حالة تغييب العقل.
حالة اللاوعى التى يستمتع بها رواد منصات التواصل الاجتماعى ويصرون عليها الآن تمنع التفكير تبعدنا عن القضايا الحقيقة، العمل من أجل غد أفضل،إثارة جدل صحى وخلاف حول قضية حقيقية تفيدنا فى التعليم أو الصناعة أوالصحة أوغيرها.
وللأسف نحن، خاصة فى العقود الأخيرة، تعرضنا لموجات متتالية من تغييب العقل أدت إلى تجريف الوعى عند أعداد وشرائح لا يستهان بها، شرائح كاملة باتت رؤيتها مشوَّشة، وطريقة إدراكها لذاتها، وقيمها، وأخلاقها، وحتى العالم من حولها، غير سوية.
حالة تغييب العقل حولتنا من العمل من أجل الإنجاز لمجرد ظاهرة صوتية، حديث مغلوط عن صناعة ما يمكن أن نطلق عليه «وهم المستقبل»، والتمسك بكل ما لا يفيد والإغراق فى الماضى للتغطية على عجزنا، والتخلف المعاش الذى نصر عليه،  حالة فصام حقيقى عن سياقات الحاضر، وننقاد عبر منصات التواصل الاجتماعى إلى مزيد من التخلف والانفصام والإصرار على خلق معارك يريد كل منا فقط إثبات أى نصر، حتى لوكان يعلم هو نفسه أنه نصر مزيف، وهمى، نتمسك بالانغماس فى الماضى الذى يمنحنا مخدرا زائفا تستعيض به عن عجزنا فى مجاراة ما هو حاصل لدى المجتمعات الأخرى، انغماس فى الماضى، لامن أجل التعلم واستنباط العبر، وتدارك أخطاء سقطنا نحن فيها أو سقط فيها من سبقونا، ولكن لتأجيج المزيد من الخلافات.
حالة تغييب العقل الذى تمارسه علينا منصات التواصل الاجتماعى حرمتنا حتى من نظرية « الاحتمال» حرمتنا من العقل المنفتح على التفكير فى كل الاحتمالات، العقل الذى يرى التفكير ضرورة، لأن ما لدينا ليس هو اليقين، وحتى لو تضمن بعض اليقين، فليس هناك يقين كامل فى أى قضية سوى الموت، ليس ثمة يقينا يضع نقطة فى آخر السطر، ويعلن انتهاء مهمة التفكير.
قضية الوعى هى سبيلنا الوحيد للتخلص من كل مايساهم فى تغييب عقولنا ويجرنا نحو المعارك الوهمية، و ينبغى أن نوليها- الوعى- أهمية تتناسب مع قدرها، إذ هى قضيةُ حياة أو موت، وجود أو فناء، فاعلية أو خمول.!
نحتاج حتماً إلى هزة قوية حتى ولو كانت مؤذية مؤقتاً، تزحزح الأتربة والأغبرة التى تخيم على عقولنا منذ عشرات السنين.