السبت 13 يوليو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
فضيحة «النابلسى»

فضيحة «النابلسى»






هناك نظرية عن الاستعداد للفساد، ممكن لوتحب ، تطبقها على نفسك ، ومن خلالها تعرف استعدادك لأن تكون فاسدًا من عدمه  ..النظرية بتقول إذا وضعت كمية من السكر أو الحليب فى الشاى وأنت فى فندق أكثر مما تفعل فى المنزل، فإن لديك استعدادا للفساد.
إذا كنت تستخدم المزيد من المناديل الورقية أو الصابون أو العطور، فى المطعم أو المكان العام أكثر مما تفعل فى المنزل، فإنّه إذا أتيحت لك الفرصة للاختلاس فسوف تختلس.
إذا كنت تقدّم لنفسك المزيد من الطعام فى الأفراح والبوفيهات المفتوحة لمجرد أن شخصًا آخر سيسدّد الفاتورة، فإذا أتيحت لك فرصة أكل المال العام فستفعل.
إذا كنت تتخطى الناس عادة فى الطوابير، فستكون لديك إمكانية التسلّق على أكتاف غيرك للوصول للسلطة...وإذا كنت تستبيح الاستيلاء على المال العام  وتعتبره حقّك فلديك بوادر لصوصية.
طبعا ممكن تجاوب على الأسئلة وتقول أنك لاتفعل ذلك وترسم صورة وردية لنفسك أمام نفسك ،حقك ،ولن أجادلك، لكن لو دافعت عن شخص سرق مال عام، أو حتى التمست له المبرر والعذر، أوتعاطفت معه من باب «ده غلبان» تأكد أيضا أنك فاسد.
الفساد له صور كثيرة، تعالى أحكى لك حكاية جميلة عن عبدالسلام النابلسى الفلسطينى الأصل، طبعًا تعرفه، شخص مثقف جميل ،دمه خفيف، ممثل كوميدى عبقرى، لن أختلف معك.. فهذه حقائق، لكن تعرف أنه كان فاسد، سرق الدولة المصرية؟
مصلحة الضرائب طالبت عبدالسلام النابلسى بـ 13 ألف جنيه عن عدة سنوات تهرب فيها من السداد.
النابلسى خطط للهرب ،باع شقته بالزمالك بمحتوياتها ،عزم  صديقه الفنان اللبنانى محمد سلمان، زوج المطربة نجاح سلام ،لزيارة القاهرة ،جمع مبلغًا كبيرًا من المال وقرر تهريب المال إلى بيروت، واستعد للسفر مع صديقه سلمان، وابنته الصغيرة سمر، التى لم يتجاوز عمرها 4 أعوام واشترى لعبة على شكل «دبدوب»، وأفرغ ما بداخلها ووضع فيها «تحويشة العمر»، وأحكم حياكتها.
النابلسى « قدم «الدبدوب» هدية إلى الطفلة سمر، وظلت تلهو بها وتقذفها يمينًا ويسارًا، وهم جالسون فى صالة الانتظار بميناء القاهرة الجوى حتى موعد إقلاع الطائرة، وكان قلب النابلسي، يخفق مع حركات لعبة الطفلة، خشية أن يحدث بها أى قطع يكشف المستور، ولم يهدأ باله إلا عندما صعدوا إلى الطائرة واستقرت الطفلة فى النوم وهى محتضنة اللعبة، وعندما وصلت الطائرة إلى مطار بيروت الدولي، اختطف النابلسى اللعبة من الطفلة، وركب أول سيارة أجرة وسط صراخ الطفلة ودهشة والديها اللذين لم يعرفا السر الغامض إلا بعد يومين».
عاش النابلسى ملكا فى بيروت بالأموال التى هربها من مصر ،وبالمناسبة تدخل فنانين كبار فى القضية فى محاولة لتبرئة النابلسى ،منهم كوكب الشرق أم كلثوم نفسها والتى توسطت لتخفيض المبلغ إلى 9 آلاف جنيه وتسديده على أقساط، ولكن النابلسى تهرب من السداد ،واشترط أن يدفع 20 جنيها فقط شهريًا لمصلحة الضرائب ،مايعنى أنه سيستمر فى السداد 37 سنة ،الأمر الذى رأته المصلحة مستحيلا ،وعرفت أن النابلسى يتهرب من جديد ويريد فقط أن يظهر أمام أم كلثوم بالمتعاون رافعًا شعار المظلومية «ده غليان».
فضيحة النابلسى لم تنته عند الهرب بأموال المصريين،فمن مفارقات القدر أن يقوم النابلسى بإيداع «تحويشة العمر الحرام» فى بنك «إنتزا» ببيروت، ثم يفاجأ  بالبنك يشهر إفلاسه، ليخسر كل شيء ،ويموت لايملك حتى ثمن الكفن والجنازة والتى يتكفل بها بالكامل فريد الأطرش .
ممكن حضرتك تلتمس العذر للنابلسى على طريقة ده فنان وضحكنا كتير وقلبه كان أبيض ودمه خفيف.. لكن كل هذا لن يغير من الحقيقة في شىء، سيظل فاسدا سرق أموال المصريين.. لكن تعاطفك وتساؤلاتك أنا بكتب ده دلوقتى ليه؟!! يؤكد أن معركة تصحيح المفاهيم ليست سهلة، معركة حقيقية لاتقل خطورة عن الإرهاب نفسه .
سرقة المال العام أو الاعتداء عليه أشد حرمة وجرماً من المال الخاص، لأن المال العام تتعلق به حقوق كثيرة، فهو ملك للمجتمع بجميع أفراده.
عمومًا الاستعداد للفساد فى حد ذاته ممكن يكون قاسما مشتركا بين بشر كتير فى دول مختلفة، الفكرة فى القابلية للتنفيذ.. وده اللى القانون لازم يتعامل معاه بحسم.