
أيمن عبد المجيد
سيناء الأزمة والحل «٣»
ليلة دامية شهدتها محافظة شمال سيناء، أمس الأول ، ارتقى خلالها ٤ شهداء من قوات الجيش والشرطة إلى خالقهم شهداء الواجب ليصل عدد الشهداء منذ 30 يونية إلى 19 شهيدًا ترى لماذا تصاعدت عمليات استهداف قوات الجيش والشرطة بسيناء خاصة شمالها؟
الإجابة لا تخفى على صاحب بصيرة، ورقة ضغط سياسية، ورسالة لأمريكا وإسرائيل مفادها، أن الجيش ليس قادرا على تحقيق الأمن وحماية مصالحكم الاستراتيجية وأن نظام الأخوان هو الضامن لأمن إسرائيل عبر تهدئة الأوضاع فى سيناء من جانب والسيطرة على حماس التى هى جزء من التنظيم الدولى للجماعة، والجانب آخر تأمين الملاحة الدولية بقناة السويس، ومن ثم أمريكا وإسرائيل يضطران للضغط لصالح جماعة الإخوان، ليس لإعادة حكم مرسى بل على أقل تقدير تأمين بقاء قيادات الجماعة فى المعادلة السياسية.
استهداف الجيش المصرى مخطط قديم، يستهدف تحويل عقيدته القتالية من مواجهة الصهاينة إلى محاربة الإرهاب، واستنزافه فى حرب ملاحقة خفافيش الظلام، فهو الجيش العربى المتبقى قادرا على مواجهة الأطماع التوسعية للكيان الصهيوني، بعد حل الجيش العراقى واستبداله بمليشيات طائفية تسمى كذبا وزورا جيشا عراقيًا، فقد شاهدت بعينى فى زيارة للعراق ديسمبر ٢٠١١، مدرعات الجيش وعربات الشرطة ترفع اعلامًا شيعية طائفية، كيف يحمى كل فصيل سياسى بمليشيات مسلحة متصارعة، والميديا تنقل يوميا ضحايا التفجيرات الطائفية، وما يحدث فى سوريا وانشقاقات الجيش السورى لا تخفى على أحد، والسودان وليبيا ليستا افضل حالا.
المخطط إضعاف الجيش المصرى لدرجة لا يكون قادرا معها على بسط سيطرته على سيناء تمهيدا لإعلانها إمارة إسلامية، وعندها يكون هناك مسوغ لشن حملة صهيونية مدعومة أمريكيا لاحتلال سيناء أو عمق ١٥ كيلو على الأقل بزعم حماية أمن اسرائيل من بؤرة أرهابية - لا قدر الله- هذا بالفعل مخطط، ومن ثم إعادة اجتياح غزة لتهجير سكانها لمناطق سيناء.
ربما قال قائل: إن من ينفذ العمليات جهاديون ضد إسرائيل وساخطون لعزل الرئيس المنتمى لتيار الإسلام السياسي، ولم تحركهم اسرائيل، ولا أمريكا؟
يا صديقى الأمور ليست بهذه البساطة، فهناك فرق شاسع بين الرءوس وصانعيها وحقيقتها، والقواعد المغرر بها، المخدوعة باسم الدين والشرعية، ففى مقال كتبته منذ عامين بعنوان رأس الأفعى، أوضحت كيف يجند الموساد وأجهزة المخابرات عملاء فى البلدان المستهدفة، ويتم تدريبهم على التظاهر بالتدين، وأساليب استقطاب الأتباع والسيطرة عليهم باسم الدين وغرس الفكر المتطرف فى عقولهم، وغسلها باسم الجهاد ضد الصهاينة بينما يتم استخدامهم لتحقيق أهداف الصهاينة ، فهم دائماً تحت سيطرة قادتهم الذين هم عملاء سريون تحت سيطرة مخابرات دولية.
وعندما تتداخل مصالح قوى سياسية مثل الأخوان وتنظيمات فلسطينية بعناصرهم الموجودة فى سيناء بمصالح الخلايا النائمة للمخابرات الدولية، يمكن إشعال الأوضاع بالشكل الذى هى عليه الآن وربما دون تنسيق، يضاف لذلك العناصر التكفيرية التى نشأت فى بيئة سيناء الملائمة لنموها بكل مكوناتها- وعن البيئة نتحدث فى مقال منفصل- لنجد من يستحل الدماء.
لكن قراءة الواقع بدقة، تتطلب الصدق مع النفس، عملاء الخارج المتسترون خلف اللحى والفكر المتطرف، والخلايا النائمة للتكفيريين، ومتطرفى الإسلام السياسي، قلة لا يتخطون مئات الأفراد من أجمالى ما يقارب ٤٧٠ ألفًا عدد سكان سيناء المسجلين إلى جانب بضع ألاف « بدون» أى بدون جنسية عالقون بالقرب من الحدود لا يملكون أى جنسية!، وهذا يعنى أن هؤلاء المئات لا يمكن لهم إلا أن يكونون عقول مدربة ومستقطبة، ولابد لها من قاعدة عريضة من الأتباع المغرر بهم تمثل أذرعًا منفذة.
التحركات على الأرض وحجم الاستهداف لقوات الجيش والشرطة يؤكد أن الأرهاب بمختلف روافده يملك الأن قاعدة من الاتباع تصل إلى خمسة آلاف عنصر، وأن هذه العناصر تملك ظهيرًا مجتمعيًا مكنها من مغادرة الجبال الوعرة مثل جبل الحلال، إلى التجمعات السكنية، وحدث ذلك مبكرا عقب ثورة ٢٥ يناير ٢٠١١، وجهل الإعلام القابع فى الاستوديوهات المكيفة، لا يعلم عن سيناء سوى جبل الحلال الذى صدره لهم حبيب العادلى صاحب السياسات التى ساهمت فى خلق بيئة ساعدت التطرف على استقطاب شباب سيناوي.
منذ ثمانية اشهر حذرت فى تقرير مطول، لم ينشر دون أسباب مقنعة، من تبعثر التكفيريين، وسط التجمعات السكنية، ومن مخطط يستهدف استدراج الجيش لملاحقتهم، عبر استفزازه ليفرط فى نيرانه، فتصيب شظاياه أبرياء، فتتعكر العلاقة المقدسة بين القبائل وجيشهم، ويشعرون بالاضطهاد والاغتراب، فى وطنهم، بما يجعلهم فى عزلة عن الدولة تدفع البعض، للجوء للتظاهر على الحدود مع إسرائيل، كما حدث قبل ثورة ٢٥ يناير عندما ساءت العلاقة مع الشرطة.
إذن كيف المواجهة؟ غداً أن شاء الله نطرح الحلول.