
محمد عبد النور
7 أكتوبر
٧ أكتوبر ١٩٧٣ كان اليوم الأكثر اختلافا فى تاريخ مصر وشعبها الذى استفاق يوم تنحى الرئيس عبد الناصر على حقائق صادمة لم تخطر على باله حتى فى أشد الكوابيس ظلمة، فالهزيمة قد أعلنت رسميا وقبلها بساعات كانت بيانات وزارة الارشاد تتحدث عن هزائم ساحقة للجيش الإسرائيلى وسقوط طائراته «زى الرز» ونحن «على أبواب تل أبيب»، وعنفوان الاحساس بالذات المصرية وكبريائها منذ قيام ثورة يوليو ومعاركها الشعبية فى تأميم قناة السويس والسد العالى والاشتراكية ومكافحة الرجعية والاستعمار ومساعدة حركات التحرر فى العالم، هذا الإحساس بالذات والكبرياء الوطنى قد انكسر. فالرئيس ناصر يتحدث عن مؤامرة كونية وبرغم أية عوامل يكون قد بنى عليها موقفه من الازمة فإنه على استعداد لتحمل المسئولية كلها!! فاذا كان الرئيس ناصر يعرض استعداده لتحمل المسئولية كلها عن هذا اليوم الكارثى فمن هم المسئولون؟ واذا كان الرئيس ناصر ليس مسئولا بشكل كامل فمن المسئول ؟ من اختار من هم فى مواقع المسئولية ودفعوا مصر وطناً وشعباً الى هزيمة كارثية؟ من ابقاهم فى مواقعهم العسكرية والمدنية؟ ولكنه ليس وقت التقييم والحساب وانما هو وقت النزول الشعبى الى الشوارع ينفض غبار الخديعة ويحمل المسئولية كاملة لمن نفض يديه من المسئولية الكاملة عن الكارثة.
تغيرت مصر كلها صباح ٧ أكتوبر ١٩٧٣ عندما نجح جيشها الباسل فى القيام بأعظم عمل عسكرى على مر التاريخ فى عبور قناة السويس اكبر عائق مائى فى تاريخ الحروب تحت حماية طائراته ومدفعيته وثبت اقدامه على الارض بآلياته وأسلحته الثقيلة فى ست ساعات وانتصر فى معاركه القتالية واثبت للشعب المصرى ولشعوب العالم اجمع، انه حينما تأتى ساعة الاختبار فانه خير اجناد الارض المنتصرون، فتنفس الشعب المصرى عبير الكبرياء الوطنى من جديد بعد أن أدركوا أن كل هذا الكم من التضحيات الشعبية قد أنتج قادة النصر، وأنه أصبح محصنا من الخداع والخديعة اى كان شكلها وشخوصها وشعاراتها، ومهما بلغت حدودها. تغير المصريون صباح ٧ أكتوبر حين وجدوا الإجابة عن السؤال، اإذا كان يونيو ٦٧ مؤامرة كونية، فاين ذهبت هذه المؤامرة الكونية فى ٦ أكتوبر؟ على الرغم من ان مصر هى مصر، واسرائيل هى إسرائيل، وامريكا هى امريكا، والاستعمار هو الاستعمار، والرجعية هى الرجعية، فالعالم لم يتغير ولم يتبدل فى ست سنوات ٦٧-٧٣، ولكن المصريين تبدلوا وتغيروا، وجيشهم الذى حُرِِم من فرصته فى ٦٧، انتزع النصر بعد ست سنوات فقط، وأذهل العالم بحرفيته واصراره وصلابته وعلمه وتفانيه فى التضحية من أجل الكرامة والكبرياء المصرى.