محمد عبد النور
30 يونيو
لا أجد خلافا بين يوم ٣٠ يونيو الماضى وبين يوم ٩ يونيو ١٩٦٧ رغم أن الفارق بينهم ستة وأربعون عاما، فكلا اليومين شهدا خروجا عظيما للمصريين إن دل على شىء فإنه تدل على أن هذا الشعب العظيم يملك ذكاء فطريًا وإدراكًا واعيًا تشكل على مر آلاف السنين منذ صنع الدولة الأولى فى تاريخ البشرية يملك مفاتيح القرار إن أراد، يمهل ولا يهمل، يستشعر الخطر فيهب مدافعا عن نفسه وحقه وبلده وحدود وطنه، فليس من الغريب أن كلا اليومين قد جمعا الملايين من المصريين على اختلاف طبقاتهم ومستويات تعليمهم ومواطن ميلادهم (قبلى، بحرى) وفوارق السنين بينهم وانتماءتهم السياسية، و لديهم مطلب موحد.
فى ٩ يونيو خرج الملايين من المصريين لتثبيت رئيس تعرضت مصر تحت إدارته إلى هزيمة كارثية احتُل فيها جزء من الوطن «سيناء» و كان للتو قد طلب التنحى والعودة الى صفوف الجماهير، ولكنه جمال عبد الناصر مفجر ثورة ١٩٥٢، الذى حرر إرادة المصريين شعبا وأرضا، الداعى إلى مستقبل يعتمد على سواعد المصريين بمواردهم وإمكاناتهم، الذى أمم قناة السويس وواجه العدوان الثلاثى وبنى السد العالى ومراكز التصنيع الثقيل، والذى انحاز طوال الوقت إلى البسطاء من شعب مصر قلبا وقالبا، منهجا وأدوات.
خرج الملايين من المصريين ليُثبِتوا جمال عبد الناصر فى مكانه، فالمعركة معركة شرف وكبرياء كل المصريين، والهدف بقاء مصر على خريطة الانسانية، لا مجال الان لحساب وإن كان عسيرًا، ولا مكان الآن إلا لإرادة التحدى، وفهم الرئيس عبد الناصر الرسالة كاملة، شكلا ومضمونا، فقرر أن ما بقى من سنوات عمره هو فى سبيل هذه المهمة، ردا لجميل هذا الشعب.
وفى ٣٠ يونيو خرج الملايين من المصريين ليخلعوا رئيسا تعرضت مصر مع إدارته إلى ما لم تتعرض له طوال تاريخها ولا على يد أقسى المستعمرين، تعرضت للبيع والمتاجرة والمقايضة، شعبا ووطنا وحدودا، مرتعا حاضنا للمرتزقين الإرهابيين، ومهدا للأفكار الظلامية الخبيثة التى تلغى شخصيتها وتبدل وجدانها، استحل دم شبابها ورجالها ونسائها «شهداؤنا فى الجنة وقتلاهم فى النار»، تحولت شوارعها الى ساحات حرب، وسيناؤها الى ميدان يقتل فيها الجنود المصريون غيلة وغدرا و يُختطفون جهارا نهارا.
رئيس سرق مصر من المصريين وأهداها على طبق من ذهب إلى جماعته وأهله وعشيرته وحلفاء المؤامرة، وكان للتو قد اعتبر ان مطالب المصريين إملاءات تفرض عليه، وأن الشرعية هى شرعيته، لا يقابلها إلا الدم، دم المصريين.
خرج الملايين من المصريين يومى ٣٠ يونيو الماضى و٩ يونيو ١٩٦٧ ليقرروا بأنفسهم لأنفسهم، بنفس الشكل ونفس الاسلوب لينفذوا ارادتهم بكل الكرامة والكبرياء الوطنى.






