محمد عبد النور
حالة «السيسى» المصرية
لم يبق سوى أيام قليلة على الصمت الانتخابى، وأعتقد أن كلاً من المرشحين الرئاسيين قد حدد بوصلته وقال ما عنده، بما أتصور أنه لا جديد فى الكلام يقال، ولا مفاجآت فى المسار الانتخابى ستحدث، ومن ثم علينا أن نضع بعض النقاط فوق كل الحروف، خاصة أن المصريين جميعا، عليهم أن يقرروا ليس فقط للحاضر القريب وإنما أيضا للمستقبل البعيد، بما لا يختزل اللحظة عند نقطة اختيار بين مرشحين للمنصب الرئاسى، ولكن بما يمدها إلى مفهوم مصير وطن بأهله وشعبه، ومكانه ومكانته.
وهنا لن أتحدث عن الفارق الشاسع بين خطاب المشير السيسى الانتخابى المستند إلى قدرة المصريين ورهانه على قدراتهم التى لا تحتاج سوى نفض «التراب»، وبين خطاب السيد صباحى الذى يصر على تبنى مضحكات مبكيات وسط وعود هو أول من يعلم أن الزمن قد تخطاها بسنوات طويلة، وواقع الأمر يثبت أن البسطاء فى هذا الوطن قد وضعوا كل خطاب فى حجمه الطبيعى بما يتناسب مع طبيعة وحجم وقدرة المتحدث به.
كان يمكن للمشير السيسى أن يعتمد على الظهير الشعبى الكبير الذى خرج فى شوارع مصر ينادى به رئيسا بعد موقفه التاريخى فى 3 يوليو فلا يتحدث إلا قليلا، وكان يمكنه أيضا أن يختصر اشد الاختصار فى طرح رؤيته الرئاسية استنادا للثقة المهولة التى منحه إياها الشعب المصرى وجعلته مرغما على الاستقالة من منصبه العسكرى الرفيع، نزولا على رغبة ملايين المصريين .
لكنه - المشير - طرح رؤية ذات أبعاد مختلفة تشمل كل الخطوط المتوازية والمتواصلة، أمنيا واقتصاديا واجتماعيا وإقليميا ودوليا، تحدث باسترسال عن كل محور فى رؤيته وكأنه المحور الوحيد، حدد سقفا زمنيا، أوضح أسلوبه العلمى والعملى التراتبى فى العمل، أكد استعانته بكل العقول المصرية المبدعة فى الداخل والخارج.
إذن نحن المصريين، لسنا أمام خطاب انتخابى لمرشح لمنصب الرئاسة، إنما نحن نعيش مراحل إنتاج حالة مصرية جديدة، تفهم جيدا معنى اللحظة المصيرية فى تاريخها كلحظة فارقة تستوعب استحقاقتها، حالة استدعاء لقدرة المصريين التليدة على اجتياز التحديات الشاقة، حالة اختبرها المصريون من قبل، عند حفر قناة السويس، وعند بناء السد العالى، وعند الحلم بالمشروع العروبى، وعند رفض هزيمة 67، وعند تحقيق انتصار 73 .
حالة مصرية جديدة، تستعيد الفخر المصرى، فى دفاعه عن الأمن القومى العربى كجزء أصيل من أمنه القومى وأن المسألة لا تعدو «مسافة السكة» فلن يهدد عربى فى وطنه والمصريون موجودون، حالة تعيد للأسرة المصرية أصولها وقواعدها وقيمها بإنعاش روح الترابط والأخوة والتسامح والتوحد مع الآخر، حالة مصرية يعود فيها الفخر المصرى بالتكاتف والتأزر فى الانتصار على العوز والحاجة، حالة مصرية تضبط صواميل المجتمع انضباطا وتقديسا لقيمة العمل، حالة مصرية تحفظ المصالح العليا للشعب المصرى فى كل شبر على الكرة الأرضية.
نحن لسنا أمام خطاب انتخابى، وإنما أمام حالة «السيسى» المصرية.






