محمد عبد النور
عبدالله كمال
فاجأنى أخى وصديقى عبدالله كمال بالرحيل، دون أن أحدثه ولو لآخر مرة، دون أن ألقاه ولو لآخر مرة، دون أن نتفق أو نختلف لآخر مرة، فقد كان عبدالله طوال الوقت على وتر مشدود، لا يحسب عمره بالشهور والأيام، وإنما بعدد كلمات المقال وصفحات التحليل السياسى، والإعداد لكتاب جديد، أو التجهيز لمشروع صحفى، لم يرد طوال عمره القصير إلا أن يكون صاحب انجاز تتفق معه أو تختلف ولكنك لا تملك إلا أن تحترمه، لا يفوتك حرف واحد مما يسطره وﻻ تتوقف عن الانصات حينما تخرج كلماته متحدثا أو محللا .
لم يبخل عبدالله بموهبته على شباب اعطاهم فرصة الوجود عندما أعاد إصدار «روزاليوسف» اليومية بعد عقود طويلة من التوقف، فأصبحت علامة صحفية، ولم يتوقف عن دعمهم بكل ما كان يملك من ثقة أو معرفة أو تجربة أو حتى رقم تليفون، حتى بعد أن تركهم ليخوض تجربة صحفية أخرى.
كان عبدالله مهموما بمصر الوطن وأهلها ومستقبلها ومقدراتها وكان يصفها بالمشروع الذى لابد وأن يكتمل لذلك اختار تعبير «بالمصرى» عنوانا لمقالاته، وكان عبدالله كمال شريفا مهنيا وماديا، مخلصا لقناعاته مؤمنا بها، متمسكا بها حتى آخر السطر، مدافعا عنها باستماتة، لم يهرب من مواجهة، ولم يختبئ فى معركة، وإنما دافع بشراسة عما يؤمن به ويعتقده، اتهم حكومة نظيف بأنها «حكومة الأيدى الناعمة» وكتب «دم ضحايا العبارة فى رقبة الحكومة» وفجر حملة التعديات على النيل، ولم يستثن منها «وزير جامد» ولا «رجل أعمال نافذ».
ظل عبدالله كمال شريفا فى وقت عز فيه الشرف على الناس، ثابتا فى وقت تلون فيه من حوله بحثا عن ثمن، ابتلع مرارة الجحود ونكران الجميل، ووجد لهم عذرا فى الطبائع الإنسانية، ولم يتوقف لحظة عن خوض حربه وحربنا وحرب مصر كلها ضد جماعة الإخوان الإرهابية، فهو عبدالله من سماها «المحظورة» فى وقت كان مرشدها يجرى المؤتمرات الصحفية العالمية من المنيل، وهو عبدالله من نشر اسفاف المرشد عندما قال «طظ فى مصر».
كان عبدالله كمال يرى فى «روزاليوسف» المجلة والجريدة والمؤسسة - مثلنا جميعا ابناء هذا المبنى - بيت التفكير الذى ﻻ يتوقف عن الجرأة والإبداع والاشتباك، صاحبة المدرسة الصحفية والفكرية المتفردة، مصنع الموهوبين، حاضنة كل الافكار من كل الاتجاهات والانتماءات السياسية، ارجعوا إلى صفحات الرأى وقت رئاسته للتحرير، صحيح أنه اختلف مع الكثيرين وبشراسة، ولكنهم ظلوا اصدقاءه.
.أخى وصديقى عبدالله
حتى نلتقى، مع السلامة.






