والدة الشهيد أيمن عبد الحميد كتات تروى لـ روزاليوسف ذكرياتها معه: حلمت باستشهاد ابنى قبل رحيله بيوم.. وقال لوالده: «ربنا يطول عمرك علشان تربى ابنى.. أنا عمرى قصير»

سلوى عثمان
حوار - سلوى عثمان
وراء كل شهيد «أم» مقدامة، قوية، أبية، أتت به إلى هذه الدنيا ليكون حارسًا لتراب وطنه، لم يبخلن بفلذات أكبادهن ليكونوا فداءً لمصر ويسود الأمن والأمان بتصديهم لكل الجبهات التى تريد النيل من الوطن، ومحاربة الإرهاب داخليًا وخارجيًا. السيدة عطيات إبراهيم محمد إبراهيم، إحدى تلك السيدات العظيمات التى أنجبت لمصر الشهيد البطل المقدم أيمن عبد الحميد محمد كتات، التقتها «روزاليوسف» واستمعت إلى حكايات الشهيد العطرة، أكدت لنا فى حوارها أن مصر ستظل شامخة مادام فيها جنود أوفياء يحمونها داخليًا وخارجيًا، قائلة وكلها ثقة: «إن العمليات الشاملة «شمال سيناء 2018» ستعيد حق ابنى وباقى الشهداء»، وإلى نص الحوار.
■ حديثينا عن نشأة الشهيد؟
- عُرف «أيمن» بالأدب الجم، جمع بين الدين والدنيا، كان فى طفولته كثير الحركة، يحب الاستكشاف وتفكيك الأشياء ثم تركيبها، وظلت تلك العادة ملازمة له فى الكبر عاشقًا تصليح الأجهزة كافة.
كان ابنى محبًا للحياة والسفر والمغامرات، لم يترك فرصة للتعرف على معالم بلده إلا واغتنمها، كان أيضًا عاشقًا لقراءة الروايات الرومانسية والبوليسية، والكتب المتخصصة فى التكنولوجيا والإلكترونيات، ولد فى 22 يونيو 1984، حصل على تعليمه الأساسى فى السعودية، وكذلك العديد من الجوائز، وحفظ القرآن كاملًا بالتجويد، كان لا يترك فرضًا أو نافلة. وقد عدنا إلى الإسكندرية وحصل على 98% فى المرحلة الإعدادية، كان ذكيًا، المعلومة تثبت فى ذهنه من أول مرة دون مراجعة، لدرجة أنه فى الثانوية العامة ترك المذاكرة وشاهد مباريات كأس العالم، وداعبنى بقوله: «يا ماما العبرة بالنهايات». وحصل على 97% من مدرسة «العباسية العسكرية الثانوية». تقدم بعدها لاختبارات الكليات العسكرية وقد التحق بالفنية العسكرية 2001، فترك كلية الهندسة، حبًا للحياة التى كان يحلم بها منذ صغره بأن يكون ضابطًا، ليتخرج عام 2006، فى الدفعة 43، برتبة ملازم أول سلاح مهندسين عسكريين، وعمل عند التخرج فى الجيش الثالث الميدانى بالسويس، ثم انتقل للجيش الثانى لواء كبارى بالإسماعيلية، وحصل على شهادات تقدير لمجهوده المتميز برتبه نقيب، ثم انتقل إلى الواحات ورقى إلى رائد.
- منذ صغره و«أيمن» محبًا لاخوته الثلاثة «رشا» و«أحمد» و«ريهام»، كان مرتبطًا بهم ارتباطًا وثيقًا، لدرجة أنه أحب تحضير الطعام لأخته الصغيرة، رغم صغر سنه، بالإضافة لعشقه لأبناء إخوته، فينتظرونه فى الإجازات ليلعبوا معه، علاوة على رعايته لأبناء شقيقته بعد وفاة والدهم المفاجئ فى حادث أليم، فكانوا يعتبرونه أباهم الثانى، وارتبط بجدته لأبيه ولازمها أثناء فترة مرضها, وكانت تدعو له بالخير إلى أن فاضت روحها إلى بارئها.
■ ماذا عن عمله؟
- أحب الشهيد عمله والوطن بكل ما أوتى من قوة، أذكر أنه شارك فى تأمين البلاد خلال فترة 2011 وأثناء إجازته اندلعت مظاهرات بالإسكندرية عند منطقة سكنه، فنزل لحماية وطنه وأرواح الشعب، وعاد إلى سيناء 2015 وظل بها عامين ليساهم فى أعمال حفر قناة السويس، وعمليات البحث عن الطائرة الروسية، وشارك فى هدم كثير من الأنفاق وتطهير جبل الحلال، وأبطل كثيرًا من المفرقعات، إذ حصل على دورات فى المفرقعات والغطس والمظلات، ورقى إلى كبير مهندسى الفرقة الرابعة ورئيس عمليات اللواء 116 بوسط سيناء، وكان من ضمن قوات التدخل السريع.
■ كيف قضى آخر إجازة معكم؟
- آخر إجازة كانت أسبوعًا، ولا أنسى يوم ٧ يناير ٢٠١٧ وقد تجمعت فيه العائلة، وجهزت كل الأطعمة التى يحبها الشهيد، واقترحت ابنتى الاحتفال بمرور شهر على مجىء «آسر» للدنيا (نجل أيمن)، وجهزنا الحلويات والتورتة والشموع والصواريخ، وكأن القدر أراد أن يدخل السرور على قلب ابنى ليحتفل بوجود نجله الوحيد، وسافر فِى الْيَوْمَ التالى، وقبل استشهاده بيومين اتصلت به للاطمئنان على صحته، وسألته عن موعد نزوله لنحدد موعد عقيقة «آسر» فرد: «يا أمى مش عارف هنزل أمتى»، كان هذا آخر اتصال معه.
■ كيف كان شعورك وقتها؟
- أحسست أن ابنى تحوم حوله الشهادة، هذا الشعور لم يتركنى لحظة، وقد رأيت فى المنام قبل الحادث بأيام، دبابة تنفجر وتندلع منها النيران، وبالفعل ارتقت روحه بهذه الطريقة، ومن الغرائب أيضًا أن والده يوم استشهاد «أيمن» كان مُصرًا على مهاتفته مبكرًا، وكان فزعًا للغاية، فقلت له إنك تتحدث مع «أيمن» فى غير هذه الأوقات ماذا حدث؟ فرد على: «مافيش حاجة حبيت أطمئن عليه بس»، وبعدها بساعات وصلنا خبر استشهاده، وعلمت بعد ذلك أن والده رأى أيمن فى منامه شهيدًا أيضًا.
■ كيف كانت علاقة الشهيد بوالده؟
- كان مرتبطًا بأبيه بشدة، ويدعى له بالبركة فى عمره قائلا له: «علشان تربى آسر ابنى أنا حاسس أن عمرى قصير». وكنت أتعجب من قوله، وأخبره بأنه سيربيه و»يشوفه عريس»، وكان يرد علينا» «نحن نحارب عدو خفى عديم الإنسانية ويأخذ الدين ستارًا لجرائمهم»، وحكى لى والده أنه أثناء توديعه له شعر بإحساس غريب وكأنها المرة الأخيرة التى سوف يرى فيها أيمن، وكان هذا حالى أيضًا، فعند وداعه ظللت أنظر إليه وأودعه وكأنه الفراق.
■ كيف كان حادث استشهاده؟
- استشهد ابنى يوم الجمعة ٢٧ يناير ٢٠١٧ بين المغرب والعشاء، اغتالته يد الغدر والخسة خلال توليه مهمة إيصال المدد للضباط والعساكر فى جبل الحلال، فرغم الأمطار الغزيرة والبرودة الشديدة وقتها وتوتر الأجواء، إلا أن ابنى وزملاؤه لم يهابوا الموت ولم يفكروا إلا فى مساعدة الأبطال فى مواجهة أعداء الوطن، وأثناء عودته انفجرت المدرعة التى كان يستقلها ومعه النقيب عمرو خالد، وعسكريين وفاضت روحهم إلى ربهم.
■ هل زارك أصدقاءه بعد وفاته؟
نعم، زارنى أصدقاء كثر، وأكدوا لى أن ابنى كان يساعدهم مادًيا منذ فترة طويلة، ويرسم البسمة على وجوههم فى أصعب المواقف، ويتعامل دون تعالٍ أو كبر.
- أقول لهم «ربنا معاكم»، أنتم تعرضون أنفسكم للموت فى سبيل القضاء على الإرهاب والحفاظ على الأمن وبث الطمأنينة فى نفوس المواطنين، حفظكم الله، فأنتم خط الدفاع الأول والسد العالى المنيع، ولولاكم ما كنا لنعيش فى أمان وأصبحنا مثل سوريا واليمن، والتنمية الشاملة التى يقومون بها فى سيناء بمثابة رجوع حق الشهداء والثأر لدمائهم.
■ ماذا تقولين للرئيس «السيسى»؟
- أنت البطل الذى أنقذ مصر من السنوات العجاف، وكلنا أمل أن الخير قادم وآت، لأننا سنجنى ثمار ما قمت به من مشروعات عملاقة والشعب المصرى خلفك، قلبًا وقالبًا، ويَصب آماله فى شخصك، فالرئيس استطاع أن يحفظ مصر، ويكفى خططه لتعمير سيناء، لأنها حجر العثرة فى السنوات الماضية وأهملها الرؤساء السابقون.